Sunday, January 24, 2010

خارج النص 2











الصادم والمخيف معاً هو لغة المصادرة وتقديم الإجابات النهائية والإدعاءت المطلقية والفهوم النهائية التي تحكم قبضتها على ما نكتب

إن مصادرة التعدد وادعاء الوصول إلى الحق المطلق هو أحد أسباب شقاء الإنسانية خاصة في عالمنا العربي والإسلامي حيث تمثل النظرة الأحادية القانون الحاكم لكل الحياة، سياسية كانت أم فقهية، حتى في إطار القبيلة والأسرة بل وحتى مع الذات أحياناً. علينا أن نعترف أننا لا نمتلك الحق المطلق، وأن كل ما لدينا لا يمثل سوى حقيقة نسبية نحاول أن نعرج بها طبقا عن طبق للسير بها فى طريق الكمال المسمى ، حتى ، تضع حرب العقول أوزارها وتركع القلوب سكينة، وتسجد الأرواح طمأنينة، وترتقي الأنفس راضية مرضية إلى الجلال والصفاء والكمال


إن اليقين الذي طبع القرن التاسع عشر انحسر أمام مدّ نسبية القرن العشرين، أما قرننا الواحد والعشرين فهو عصر التواضع العلمي والاعتراف بحدود المعرفة حتى قال البعض عن هذا العصر بأنه عصر (التعقيد)، وهو وصف شارح للخط الذي يجب أن يسير عليه العلماء والفلاسفة بحيث يستصحبون حقيقة التعقيد ونسبية الأفهام، ووجوب تقديم قراءات متعددة بعيدا عن المصادرة وتأليه القانون الفرد

ربما نتساءل عن القانون الحاكم للأفكار، والجواب أنه لا يوجد صنم يسمى قانون الفكرة، بل لكل فكرة قانونها الخاص بها، وهذا القانون إنما تحدده النظرة التي ننظر من خلالها إلى هذه الفكرة، هل ننظر إليها من خلال (الأهواء) المتمثلة في الذاكرة القريبة وردات الفعل اللاإرادية، أم ننظر إليها من خلال (العقول) المتمثلة في عمليات التفّكُر الواعي والتحليل والنقد الصارم، أم ننظر إليها من خلال العقل والهوى معاً، ولكل من العقل والهوى ميزانه الخاصة، فالهوى ينظر إلى القشور والمظاهر الخارجية، والعقل ينظر إلى لب الأفكار ومكوناتها (الدون فكرية) أو الفُكيرات المكونة والمنبثقة عن الفكرة. وفي النهاية لن تكون نظرتنا للأفكار وحكمنا عليها وقانوننا الذي نقاضيها به سوى قانون نسبي تدخل فيه المنفعة

والفائدة والخير والشر والحُسن والقبح والحق والباطل والحب والمبادئ والقيم وغيرها

ليس الإنسان عقلا محضا أو مجموعة أفكار، بل الإنسان كائن معقد تعقيد الكون الذي نعيشه بل ربما يكون أشد تعقيدا، فالإنسان مكون من عناصر بيولوجية متمثلة في الجسد ورغباته ومؤثراته وتأثيراته ، وقدّ أكد أطباء السلوك في تجاربهم العملية أن الحرمان الجسدي من الهواء أو الماء أو النوم أو الطعام أو الجنس يؤدي حتماً إلى تغيرات نفسية وسلوكية تطلق محرضات العنف(المادى والمعنوى) من كوامنها بعيدا عن عقال الحس والعقل. والإنسان مكون أيضاً من عناصر عقلية تتمثل في الإرادة والقدرة على التحليل والبناء والتفكيك، ومكون بالإضافة إلى هذا وذاك من عناصر وجدانية تمثل ذلك البعد الغائر في أعماق الذاكرة حيث يسافر خطابه من البعيد فيتجلى بكل هيبة آسرة وحماس في صورة انطباعات عاطفية تتملك الإنسان وتدفعه نحو عمل المستحيل، إنه الحاضن للحب والخازن للإخلاص والنبع الدافق بالإيمان

إن اختزال الكائن البشري الذي خضع له الكون وسجدت له الملائكة في مجموعة أفكار لا يمكن أن نعدّه سوى مصادرة مجحفة في حق إنسانية هذا الكائن الذي كرمه الله تعالى فخلقه وسواه وعدله وفي أي صورة ما شاء ركبه. إن هذا التعقيد الخَلْقي والتنوع التكويني في الكائن البشري يدعو الإنسان للثورة في وجه كل دعوة للاستبداد والاحتكار والمصادرة

ربما كان هذا المقال رداً على احد ولكن الاهم انه محاورة ومحاولة إعادة توجيه بوصلتنا الفكرية نحو آفاق التعدد والتنوع التي ربما عزبت عن ذهن البعض ... إنما هو انتصار لإنسانية الإنسان القائمة على التشاكل والتنوع والتمايز بين بيولوجيا الجسد المتعطشة

وحماس الوجدان الملتهب وسكون العقل الراجح


إن تحرير الإنسان من عقال الأحادية الفكرية، وكسر أغلال القوانين الفردانية أقرب إلى كلينا من بعضنا إلى الآخر.

واؤمن باننى اتفق مع كل من يعمل على مكافحة الجمود والتقليد وتحرير العقول من أسر فكرة القطيع والمريدين، كل ذلك من خلال اعتماد فكر متسامح قائم على الحوار والإيمان بالتعددية، واعتبار الاختلاف إضافة إلى الفكر وتدعيما لمسيرته



7 comments:

خواطر شابة said...

"واؤمن باننى اتفق مع كل من يعمل على مكافحة الجمود والتقليد وتحرير العقول من أسر فكرة القطيع والمريدين، كل ذلك من خلال اعتماد فكر متسامح قائم على الحوار والإيمان بالتعددية، واعتبار الاختلاف إضافة إلى الفكر وتدعيما لمسيرته"
انا معك قلبا وقالبا في هذا ففيه لخصت كل شئ وأعطيت الحلول المنطقية لعالم افضل

انت تسال والكمبيوتر يجيب said...

سررنا بالمرور فى هذه المدونه التى تنم عن عقل مستنير مثقف ويهمنا رايك ولهذا نوجه لك هذه الدعوه
نحن اول برنامج أذاعى عن النت والمدونات ويذاع يوميا عدا الجمعه التاسعه وعشر دقائق صباحا على موجات الأذاعه الرئيسيه لمصر
نحن نطرح موضوعات الحلقات قبل اذاعتها فى مدونتنا لبعلق عليها اصحاب المدونات او غيرهم من الزائرين
ونذيع هذه الموضوعات مع التعليقات ومقتطفات من مدونات اصحابها اذا رغبوا
وبذلك نجمع لأول مره بين الأعلام التقليدى والنت
مدونتنا
http://netonradio.blogspot.com

Anonymous said...

الاختلاف نعمه

والعاطفه جزء هام من تكوين البشر ... لسنا أله ولا حاسب الكتروني

تحياتي

بحر الالوان said...

الاختزال في علم الكيمياء يغير خصائص المادة .... اما الاختزال في دنيا البشر يخل بمفهوم الانسانية القائمة علي التنوع والتعدد .

بوست رائع

تحياتي

sal said...

شكرا "خواطر"و"انت تسأل"وفتاة الصعيد"وواديبنا بحر"وكنت أأمل فى تعليقات على البوستات السابقة لانها تلمس جانب من عالم المدونات
والمدونين
ولكن يبدوان الوقت هو الحائل
كما يحدث معى
فى تقصيرى فى المتابعة
تقبلوا تحيتى وتقديرى

Tears said...

متفقة مع هذا الطرح و لكن لا يجب ان ننسى اننا نعيش وسط مرضى بالتسلط يعتقدون انهم يحتكروا الحقيقة المطلقة و ان كنت لست معهم تماما و فى كل نقطة فلن تجد سوى التخوين و التكفير و طوله اللسان

sal said...

شكرا احمد ع الزيارة
سنتواصل ان شاء الله
*********
تيرز
الواقع اكثر سوءامما نتصوره
والامر يستدعى المزيد من الجهد والصبر
والباقى على الله