Monday, February 18, 2008

موجة التدين وموجة الفلسفة







تصاحب موجة التدين السائدة اليوم موجة فكرية وفلسفية تعيد النظر في أنماط الفهم والتطبيق السائدة للإسلام والثقافة الإسلامية التي تشكلت بفعل الصحوة الإسلامية، والتي ساهمت في تشكيلها وبلورتها على النحو القائم اليوم اعتبارات الصراع والتنافس مع التيارات الفكرية والأحداث السياسية في المنطقة، وهي اعتبارات لم تعد قائمة أو موجودة، أو تلاشى وضعف تأثيرها، كما أن الصحوة الإسلامية نفسها تشهد تطورا داخليا وانفتاحا على الأفكار والاتجاهات والتطبيقات التي كانت تبدو قبل سنوات عدة محرمة.تقوم فكرة المراجعة الفلسفية والفكرية للصحوة الإسلامية على أساس «الأنسنة» أو التمييز بين النص الديني ومعناه. فإذا كان النص الديني يحتمل معانيَ وقراءات عدة وفق المناهج المتبعة وحدود اللغة وظروف الزمان والمكان والبيئة المحيطة بالإنسان، وهذا ما كان عليه الحال طوال التاريخ الإسلامي، فإن تجدد وتغير فهم النصوص وتطبيقها سيتواصل عبر التطور الإنساني واختلاف المجتمعات والحضارات. فالتأويل الصحيح صحة مطلقة وكاملة لا يعلمه إلا الله، ولكن هل يعلم الراسخون في العلم أيضا تأويله؟ وهل يكون علمهم متطابقا على تعددهم؟ أم أنهم فقط يقولون «آمنا به كل من عند ربنا»؟، فإن كانوا كذلك فما الفرق بين الراسخين في العلم وغيرهم؟بالطبع فإن الراسخين في العلم يعلمون، ولكنهم بعلمهم يحاولون أن يقتربوا من الحقيقة والصواب، والذي لا يمكن لبشر أن يصل إليه أبدا، وهذا هو سر صلاحية القرآن لكل زمان ومكان، وسر الإبداع الإنساني بعامة، لأن الاعتقاد بعدم الصواب، وأن ثمة ما هو أفضل وأكثر صوابا هو ما يدفع الإنسان إلى مواصلة البحث والتفكير والعمل. ولذلك فإن العلم قائم على إدراك الإنسان لما يجهله، وكلما زاد إدراكه لما يجهله ازداد علمه، وربما تكون العبارة الأكثر صحة هي: كلما زاد علم الإنسان زاد جهله، وكأن أعلم الناس أجهلهم. والواقع أني أقتبس هذه الفكرة من «مات ريدلي» أحد علماء الجينوم ومن المشاركين في اكتشاف الخريطة الوراثية التي اعتبرت من أهم الإنجازات العلمية في تاريخ البشرية، وكأننا نتعلم ونقرأ ونبحث لنعرف جهلنا وليس لنعلم، أو كأن العلم هو معرفة الجهل، ولكن الجهل ليس واحدا، فثمة جهل يقود إلى التقدم والاكتشاف والرفاه وزيادة العلم.


يقول ريدلي: «لقد حدث للبيولوجيا في سبعينيات القرن العشرين ما حدث للفيزياء من قبل 50 سنة وهو انهيار اليقين والاستقرار والحتمية ليقوم مكانها عالم من التقلب والتغير وعدم القابلية للتنبؤ. إن الجينوم الذي نفك شفرته في هذا الجيل ليس سوى لقطة واحدة لوثيقة تتغير أبداً، فليس هناك وجود لطبعة نهائية من كتاب الجينوم».واليوم، ونحن نشهد موجة تدين تكاد تشمل العالم كله بجميع أديانه في الوقت الذي تتقدم فيه الأمم والمجتمعات تقدما علميا وتقنيا غير مسبوق في تاريخها، فإننا بحاجة، بل نحن مقدمون على ذلك حتما، إلى صياغة رؤيتنا وأفكارنا الدينية بما ينسجم مع المرحلة العلمية والفلسفية التي وصلنا إليها. وكما نسخر اليوم من الجدالات الفقهية التي كانت تدور حول حرمة أو جواز استخدام الميكروفون في الأذان، وحرمة أو جواز ركوب السيارة، وحرمة أو جواز الاعتقاد بكروية الأرض، فإننا ربما نسخر من أفكار ومقولات تبدو ثوابت دينية. والغريب أن الدعوة لترشيد استخدام الميكروفونات في المساجد لقيت استنكارا وكأنها (الميكروفونات) لم تكن حراما قبل ثمانين سنة.

لا نملك ضمانات للناس الحريصين على الدين والمجتمع والمبادئ عندما ندعو لإطلاق التفكير والسؤال والشك، ولكن الحل ليس في الحجر على السؤال والتفكير، فلم يعطنا الله نعمة العقل لنعطلها.: «لا أعرف مستودعاً آمناً للسلطات المطلقة للمجتمع غير الناس أنفسهم، وإذا كنا نظن أن الناس ليسوا متنورين بما يكفي لممارسة هذه السيطرة بتعقل كامل فإن العلاج لا يكون بأن نسلب منهم هذه السيطرة وإنما يكون العلاج بأن يتعلموا التعقل


إبراهيم غرايبة

بتصرف


».