Saturday, May 29, 2010

الاستبداد الصالح ؟؟؟










الاستبداد "الصالح"
بعد الاستبداد الطالح؟

منصف المرزوقى


في مقالتي الأخيرة "هذه الديمقراطيات المبغضة للديمقراطية" أظهرت ضعف حظوظ المشروع الديمقراطي في الوطن العربي لعوامل عدّة تضافرت كلها ضده. هل نقول على أحلامنا بالدمقرطة السلام، وآنذاك ما البديل؟.

لاستقراء مستقبل محمّل بالأخطار والوعود، يجب الخروج من التعميم فالنظام السياسي العربي واحد في هيكله لكن بحالات متباينة، ومن ثم ضرورة التصنيف.

إذا وضعنا جانبا الخطر الخارجي وقنبلة تشكيل السكان، فالنظام في الخليج قادر على التواصل طويلا لأن الاستبداد ملطّف بالأبوية ، محمي بالقبلية، قادر على شراء الأمان الاجتماعي بفائض الثروة، ناهيك عن الحماية الخارجية المضمونة.

أما وضعه في الملكيات مثل السعودية والمغرب والأردن فأصعب، ولو أنه قادر على الاستمرار زمنا غير محدّد لتوفّره على بعض الشرعية الدينية والسياسية عند عامة الناس، وشيء من المهارة في ادعاء الإصلاح، ناهيك هنا أيضا عن الدعم الخارجي.

البطن الرخوة للنظام الاستبدادي العربي هو الجملكيات (مصر، سوريا، تونس، ليبيا، الجزائر، موريتانيا، السودان، اليمن)، حيث لا شرعية تاريخية أو سياسية ولا إنجازات وإنما العجز والفساد والقمع. قدر هذا الاستبداد الفاشل العيش بأقصى العنف لا خيار غير شعار "وداوني بالتي كانت هي الداء". الصيرورة هنا بديهية: مرحلة احتضار نعايشها ولا أحد يعرف مدتها، ستتبعها مرحلة فوضى لا أحد يعرف خطورتها، ثمّ مرحلة بناء نظام جديد. لكن على أي شكل؟.


ترميم النموذج القديم؟ جدّ ممكن والمخابرات الغربية تبحث اليوم عن وكلاء جدد يحافظون في مصر وتونس وبقية الجملكيات على نفس النظام الضامن لمصالحها الإستراتيجية، لكن مع تقديم بعض الفتات للمجتمعات. المشكلة أن نفس الأسباب تؤدي لنفس النتائج، ومن ثم سنعود عاجلا أو آجلا للبحث عن بديل للبديل المغشوش.

هل تكون الديمقراطية ولو بعد جولة استبدادية عبثية أخرى؟

ممكن لأسباب سنتعرض لها لاحقا، لكن الأمر غير مضمون لإغراء بديل الاستبداد "الصالح" الذي تعطينا الصين أبرز مظاهر نجاحه.

***

لنتمعّن في بعض خصائص هذا النوع من الاستبداد، وسنرى أين تكمن خطورته على عقولنا المشوشة وقلوبنا المجروحة.

- إنه النظام الذي أنقذ أربعمائة مليون صيني من الفقر في أقل من عقدين من الزمان، ورفع الصين إلى مرتبة الاقتصاد الثاني في العالم بانتظار أن يصبح الأول.

- هو الذي أعاد للأمة الصينية سالف مجدها وجعل منها قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وحتى ثقافية ومعاهد كونفشيوس لتعليم اللغة تغزو العالم. عن الثورة العلمية والتكنولوجية حدّث ولا تسل، والصين احتلت السنة الماضية بـ120000 مقالة علمية المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة (350.000 مقالة)، وهو ما يجعل جوناتان آدمس يقول إن الموضوع ليس هل تصبح الصين أكبر منتج للعلم، لكن متى؟.

- عوض أن يتستر النظام على الفساد تراه يحاربه بلا هوادة. إن الشعبية الخارقة التي يحظى بها في الصين اليوم باو كسي لاي، عمدة شونقكينغ هي لحربه الضروس لا ضد فساد الهوامش وإنما داخل الحزب الشيوعي الحاكم وفي صفوف البوليس، أي في عقر دار السلطة.

- في نفس الفترة التي لم تعرف فيها مصر إلا رئيسا واحدا تتابع على هرم الدولة في بكين ثلاثة رؤساء هم يانغ شانغ كون (في ظل الحاكم الفعلي دنغ هسياو بنغ) وجيان زيمين والرئيس الحالي هو جينتاو، وسيتم انتخاب رئيس رابع قبل خلاص مصر من رئيسها المزمن وإفلاتها من معرّة التوريث.

لا أحد من هؤلاء فكّر في الرئاسة مدى الحياة أو في توريث الصين لابنه أو لصهره. هو يتنحى أو ينحى بإرادة جماعية لأن المستبدّ ليس نرجسيا مريضا وإنما منظومة سياسية لا تخدم شخصا وعائلته أو طائفته وإنما الوطن.

تذكروا القاعدة الخلدونية عن ولع المغلوب بتقليد الغالب، وهل يوجد اليوم غالب إلا الصين؟.

ما أسهل نقل نظامها ولا شيء في جوهره (الدكتاتورية السياسية والليبرالية الاقتصادية والقومية الغازية) يتعارض مع "مقدّساتنا" أو مطامحنا، خاصة مع عقولنا المسمّمة منذ خمسة عشر قرنا بأسطورة المستبد العادل.

أضف لهذا أن مزيج القومية والإسلام السياسي يمكن أن يلعب دور الغطاء الأيدولوجي الذي يلعبه في الصين الخليط العجيب من الرأسمالية والشيوعية، إنه غطاء محلي الصنع، سهل التسويق وجاهز، فلماذا لا يكون استبداد كهذا، غير مشخّص، محارب للفساد، ناجح اقتصاديا ووطنيا، خيارنا بدل المشروع الديمقراطي المحمّل ظلما بكلّ أوزار السياسة الغربية وبكل تهم الانبتات ومنافسة الإسلام بل ومعاداته؟.

***

يجب قبل الردّ طرح سؤال آخر. لماذا تتكفل الشعوب حتى في أصعب الظروف الاقتصادية بتكاليف تربية جزء من أبنائها وبناتها وهم لا ينتجون شيئا ماديا؟، طبعا لأنها تنتظر ممّن تسميهم المثقفين الاضطلاع بمهمة لا تقل خطورة عن إنتاج الموادّ، وهي إنتاج الأفكار والتصورات لتقديم خيارات تضيء الطريق أمامها تقيها من العثرات أو من الدوران في الحلقات المفرغة.

وفي هذه اللحظة التاريخية العصيبة، وأمام كم من تقاطعات طريق خطرة، لم تكن الأمة أكثر حاجة لمثقفيها من حاجتها إليهم اليوم. إن واجب المثقف ليس التغريد مع السرب والمشي في أهواء العامة والتمسح بالفكر السائد لاكتساب شعبية رخيصة، وإنما اعتبار نفسه جندي استكشاف مهمته تجميع المعلومات عن تجارب أمته وتجارب الآخرين، والبحث في دروسها ثم العودة بكل ما في جعبته، منبّها وموصيا باتباع هذا الطريق بدل ذلك، هاجسه الأول سلامة أمته لا سلامته هو. وفي الوضع الذي نحن عليه هذا ما يجب على المثقفين وضعه نصب عيني الأمة حتى لا تضلّ طريقها مجدّدا.

- إن الطفرة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية التي تعرفها الصين ليست مرتبطة آليا بالاستبداد "الصالح"، فلها نظيرة في الهند الديمقراطية ، بل ثمة من المحللين من يرون أن هذا البلد يتوفّر على ضمانات تقدم أطول نفسا مما تعرفه الصين.

- أن وراء الستار في كل استبداد -ولو كان ناجحا- كمّ هائل من الدم والدموع (انظر تعامل السلطات الصينية مع المعارضة أو التبتيين أو الويغور)، وذلك لنزوع غريزي عند الاستبداد لاستعمال أقصى العنف مع المجتمع. ألا تكفي فاتورة نصف قرن من مساجين سياسيين ومهجّرين وموتى تحت التعذيب وما عشنا من خوف وإذلال؟.

- إن باو كسي لاي يمثل الشذوذ وليس القاعدة، ولا أحد يعرف هل سيصبح يوما رئيسا للصين؟، أم هل سينتهي كأغلب المصلحين من الداخل منفيا أو سجينا؟.

- إن الاستبداد الروسي وضع الروس في صدارة الأمم ثم انهار ومعه الروس. قد يكون هذا ما ينتظر الاستبداد في الصين رغم وطنيته وفعاليته وطهارته العابرة.

- إننا أمة مفككة ومشروع توحيدها غير قابل للتحقيق بعشرين استبدادا ولو كان مؤسساتيا وطاهرا، لأنه لا مجال لتوحيد مستبد مع مستبد آخر ولو كانا من القديسين، وكل قديس يريد أن يكون هو القدّيس الأول.

- أخيرا لا آخرا، فإن الاستبداد الصيني لا يكون إلا بصينيين. فالثقافة الصينية (مثل اليابانية) هي ثقافة "نحن"، أما نحن فمحور ثقافتنا "الأنا". انظر حولك فلن تجد إلا المتواضعين المزيفين والنرجسيين المصابين بالمرض القومي بخطورة متفاوتة (لا يدعي كاتب هذه السطور سلامته منه، لكن إنصافا له يجب التنويه بجهاده ضدّه جهاده ضدّ السمنة والتدخين، أي بكثير من الجهد وقليل من النتائج).

كل شيء في تربيتنا من إفراط أمهاتنا علينا بالتدليل إلى ما سممتنا به المدرسة من شعر الفخر وأساطير البطولات والعنجهيات، يعزّز هذه النرجسية المرضية. في أي ثقافة تجد مقولات إنما "العاجز من لا يستبد" أو "رجل كألف وألف كأفّ".

قد تكون هذه العقلية المريضة هي التي جعلت تاريخنا منذ الانقلاب الأموي تداولا على دور المستبد، وكل واحد منا ينتظر فرصته في الطابور الطويل، ولا نية جدية لأحد في تغيير قواعد اللعبة.

كم باءت كل المحاولات لبناء استبداد صالح مؤسساتي غطاؤه الإسلام بالفشل الذريع، ودولة الأشخاص هي التي تنجح دوما في السيطرة فعليا على الدين الذي تدعي أنها تخدمه وهي لا تكفّ عن استخدامه.

ومع هذا ما زال من يدّعي النجاح في ما فشلنا في تحقيقه على امتداد خمسة عشر قرنا. ثم كيف ننسى أن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز كانا الحالة الشاذة التي تحصى ولا يقاس عليها، إننا جربنا في تاريخنا المعاصر الاستبداد الوطني وغير الفاسد عبر التجربة الناصرية ولم نذهب بها بعيدا.

وحده النظام الديمقراطي قادر على حمايتنا من أنفسنا ومن بعضنا البعض لأنه الوحيد الذي يمنع جمع السلطات في يد شخص أو مجموعة، ويفرض التداول السريع على المسؤوليات ويستطيع محاربة الفساد بصفة مسترسلة لا علاقة لها ببطولات الأشخاص، لتوفره على مكينتين رهيبتين لقص الأعشاب المضرة التي تنبت باستمرار، أي حرية الصحافة واستقلال القضاء. وحدها الديمقراطية قادرة على فتح الفضاء العربي للبشر والسلع والأفكار، كما استطاعت ذلك الديمقراطيات الأوروبية التي بنت الاتحاد الأوروبي لبنة لبنة حال انهيار الاستبداد الفاشي والنازي والشيوعي.

لذلك علينا الاقتناع والإقناع بأن الخيار الديمقراطي هو أحسن الحلول إن لم نقل أقلها سوءا؟.

السؤال ما حظوظه والحياة القاسية تعلّم أن القضايا العادلة لا تنتصر بالضرورة، والخيارات العقلانية ليست دوما هي التي تصنع التاريخ.



***

حتى لا يخضع تقييم وضع المشروع الديمقراطي العربي لا للوهم ولا للإحباط، تجب قراءته من وجهتيْ نظر متكاملتين وإن بدتا متناقضتين.

للمزيد اتبع الرابط

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/52CA8787-5379-4577-94A2-0A27D9C21DC7.htm


Monday, May 24, 2010

اللاجدوى...؟؟؟






















تزداد يوماً بعد يوم حالة اليأس والاغتراب السياسي والثقافي في مجتمعاتنا، وتطال الأفراد والنخب ومؤسسات المجتمع المدني على حد سواء في أجواء من الاختناق المعنوي وازدياد الشعور باللاجدوى وتعمق الإحساس بفقدان القدرة على المجابهة،
ولن نأتي بجديد اذا قلنا بان اللحظة التاريخية السائدة اليوم التي تحياها مجتمعاتنا تعد من أقسى لحظات الاغتراب وفقدان القدرة على المجابهة والتغيير منذ عقود عديدة

ومن الملفت للنظر أن حالة الإغتراب السياسي والثقافي تنتشر كسرطان خبيث في المجتمع وتزدهر بحيث يشعر الفرد بحالة من المتاهة ما بين التقليد والتجديد، ويدخل في دائرة مغلقة حول هذه القضية
ومن هو الأحق بالإتباع، التراث، أم مجتمع الغرب الحديث ؟

الاغتراب السياسي والثقافي وازدياد الشعور باللاجدوى، ينتشر ويزدهر حينما يشعر الفرد والمجتمع ان الموارد التي أوجدتها الطبيعة وربما الأجيال السابقة وحافظت عليها تهدر وتستنزف وتتحول الى نقمة، هنا يشعر الفرد بأنه لا يحرم فقط من حقه في هذه الموارد، بل ويمارس الخيانة بحق الأجيال القادمة

والاغتراب السياسي والثقافي يلتقي على لغة الإخضاع بدل الاقناع، وتزييف الكلام عن الحريات والحقوق، وفي الواقع ينتج المجتمع سلطاته ورموزه التي تحول الأفراد الى أشياء بخيسة وفي لحظة التأزم يرتدي المجتمع بأكمله أقنعة زائفة بحثاً عن هوية بديلة ومآل آخر
يبدأ الاغتراب السياسي وينتعش، حينما يتسلسل الشعور في البداية بطيئاً بافتقاد الفرد حقه في الوطن ، ثم يزدهر حينما يتصرف المسؤولون ورموز السلطات وكأن البلاد والأوطان امتداد لذواتهم، ثم يقود هذا الاغتراب الى الانسحاب التدريجي الذي يأخذ عدة اشكال أهمها اللامبالاة إلى رفض المشاركة والانكفاء على الذات، ، واخيراً انتحار الوطن داخل الذات

يتجذر الاغتراب السياسي والثقافي حينما نبقى نجرب ونبدل ونطرق كافة السبل ونوافذنا مغلقة على العالم ويتحول التجريب والتبديل الى نوع من الشقاء الإنساني، ونجرب في التنمية والتغيير والتحديث والحداثة والإصلاح والأحياء وندور في كل "المدارات الحزينة" في التاريخ ونكتشف اننا لم نبدأ بعد
حينما يتحول الفرد الى ذات بلا مواطنة وربما الى شيء نكرة، يجد هذا الفرد نفسه منقاداً ومرغماً على ان يلجأ الى البنى الاجتماعية الأولية؛ العائلية، القبلية، الطائفية، الجهويـة، بحثاً عن بعض الأمان ومحاولة لملمة حطام الذات حيث تتحول القيم الكبرى ... قيم الحرية والمساواة والحقوق الى إقفال تحرس المدن، وتتحول قيم الكفاءة والجدارة الى جسور من خشب وفلين ، لا يستطيع الركوب فوقها إلا أصحاب الأوزان الخفيفة من المنافقين سدنة السلطان
ان أسرار حالة الاغتراب والرغبة المكبوتة بالانسحاب التي تجتاح مجتمعاتنا تتغـذى من حالة الاختراق الأجنبي والخضوع المباشر للهيمنة السائدة في العلاقات الدولية وحالة الانكشاف التي تكرست بشكل كبير، إلا ان مصادرها الحقيقية تكمن في علاقات الداخل بالداخل قبل علاقات الداخل بالخارج، فالعنف الذي يصدر اليوم للخارج هو أحد أشكال التفريغ للعنف الذي يمارس منذ أجيال في الداخل في العلاقات المستبدة الظالمة والمستندة الى عدم الرغبة في الدخول نحو معترك التغيير الحقيقي،،، فهي نتيجة شبه منطقية لما لاقته هذه المجتمعات من إهمال وإحباط وقسوة وفشل، ومن المعروف انه كلما اتسعت فرص المشاركة السياسية والمجتمعية بشكل عام ساعد ذلك على الاستقرار وترسيخ شعور الأفراد بذواتهم وترسيخ مفهوم الوطن، وكلما ضاقت تلك الفرص يتعاظم الشعور بالاغتراب والتناقض والابتعاد بين الفرد وبين مؤسسات النظام وتعبيراته ورموزه، ويبدو ذلك في انعدام القدرة السياسية, أي شعور الفرد بعدم القدرة في التأثير على سلوك مؤسسات النظام أي انعدام المعنى السياسي

ان تجاوز حالة الاغتراب السياسي والثقافي تعني وضع حد لحالة العجز وبناء القدرة على تجاوز الأوضاع الراهنة، لكن القدرة وحدها في حالتنا السائدة لا تكفي إذا لم تقترن بالرغبة في التغيير وإحداث قطيعة مع الواقع الراهن ومحاولة تجاوزه...، ولعل ردم الفجوة النفسية التي يحياها انساننا في هذه المرحلة أول ما تتطلب ان يعي حجم الحالة وأسبابها ومصادرها، وان يحقق انجازات على الأرض تعوضه عن عقدة الذنب الذي لم يقترفه
ان توسيع المشاركة بكافة أبعادها السياسية والمجتمعية هو أحد الفرص غير المكلفة لردم تلك الفجوة النفسية وهي طريق سالك لعودة المجتمعات الى أوطانها

ولكن الشعب عاجز في علاقاته بالدولة والأحزاب والمؤسسات العائلية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهي تسيطر على حياته ولا يسيطر هو عليها، ويعمل في خدمتها ولحسابها أكثر مما تعمل في خدمته ولمصلحته، حتى يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى التكيّف مع واقعه بدلاً من الانشغال بقضايا الإصلاح التجاوزي، وإلى الامتثال للسلطات المهيمنة على حياته بدلاً من اتخاذ المبادرات الجريئة

وهذه الملاحظة تظهر واضحة في الدوائر والمؤسسات الرسمية بشكل عام، فالمبادرة الفردية والاجتهاد الفردي من قبل العمال والموظفين تكاد تكون غير موجودة
فالموظف إذا حاول أن يجتهد يقابل صدمات وصدود من قبل مديريه ورؤسائه الذين ينظرون إليه نظرة دونية
فالإنسان محاصر ودائرة الحصار تضيق باستمرار، فيضطر بفعل اليأس للانشغال بتدبير شؤونه الخاصة، وتحسين أوضاعه المعيشية المادية على حساب كرامته وإنسانيته وطاقاته الإبداعية،

لقد سلبته هذه المؤسسات حقوقه وحرياته في السيطرة على إنتاجه في مختلف الحقول



@@@


هذا باختصار ما يتناوله الدكتور حليم بركات في كتابه
"الاغتراب في الثقافة العربية ـ متاهات الإنسان بين العلم والواقع"

Saturday, May 22, 2010

المختلف ...؟



دعوة الى قبول المختلف

*********
******************
,<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<











We need to accept that

we are
on
the same way

but walking on two parallel lines !




هههههه

Monday, May 17, 2010

اعرف عدوك...؟؟؟












اعرف عدوك



جملة اكاد اجزم بانك سمعتها وقرأتها مئات المرات
ويقال ان احمد بهاء الدين رحمه الله هو اول من استخدم هذا التعبير بعد نكسة 67
....
لعل ما يتبادر الى ذهنك عند سماعها او قرأتها هو اهمية معرفة العدو حق المعرفة حتى تعرف كيف تتعامل معه؟
ولكنى طالما راودنى تساؤل اراه مهما ...
فكلمة "اعرف" و"معرفة" امر واسع وفضفاض
وقد مضى اكثر من ستة عقود ونحن نركز فى معرفتنا للعدو والمعنى هنا "اسرائيل"
نركز على معرفة هويته وعقيدته وتاريخه وكيف نشأت دولته وامكانياته الحربية واجهزته
الاستخبارية..ومن هو الداعم الرئيسى له وما الى ذلك من صنوف المعرفة!!
انا لا اشك فى صحة العبارة ووجاهتها ولكن
ما الذى يجب ان اجعله اولوية لى خلال محاولتى الجادة كى تتحقق قيمة واهمية مقولة "اعرف عدوك"؟على ارض الواقع
اين تكمن الاهمية فى معرفتى تلك
هل هى تاريخه ...اى تاريخ العدو
ام حاضره المعاش؟


اتوقع عند هذه النقطة ان يرد اصحابنا من اهل ودارسى التاريخ باهمية هذا الجانب انطلاقا من مسلمة تسكن فى عقولنا تقول ان دراسة التاريخ هى طريق لمعرفة الحاضر وبوابة لاستقراء المستقبل ...وانا ارد واقول ، اللهم لا اعتراض
ولكنى اكرر مرة اخرى واركز على - ما هى الاولويات؟
وما هو الجانب المهم فى تلك المعرفة
هل هى معرفة
عاداته ، تقاليده الاجتماعية ،فنونه وادابه
نظامه الاقتصادى ، قوته العسكرية ؟؟؟؟
وللتحديد والتأكيد ....اننا اخدنا اسرائيل كعدو...
فهل المهم لنا دراسة ومعرفة
ان اليهود ذكروا فى القران احيانا تحت اسم الذين هادوا
واحيانا اخرى باسم اليهود - بنو اسرائيل ...هل هذا يمثل لنا اهمية عند الرغبة فى معرفة العدو؟

قد تصادف وانت تبحث فى معرفة العدو ان هناك من يركز على العلم الاسرائيلى او
يتحدث عن الاعياد لديهم او يتناول النشيد الوطنى !!!! اى والله...
واذا وجدت عنوان ملفت مثل المجتمع الاسرائيلى من الداخل...فتقول فى نفسك
"وجدتها "
.
وجدت شيئا مهما ..وحين تقرأ تجد

اليهود السفارديم : و قد أتوا من الشرق الأوسط و شمال أفريقيا

واليهود الاشكناز : و أصلهم من شرق أوروبا

وما الى ذلك موحيا لك انهم اشتات متفرقون مما قد يخدرك ويبعث فى نفسك الارتياح
فانت عرفت اتوماتيكيا ان نهايتهم قريبة!!!
...قد تجد صور لحائط المبكى لديهم وحائط البراق لدينا وتحت الصورة
كلمات تقول :
هذا حائط البراق عندنا ... وحائط المبكى عند اليهود ... دنسوه إخوان القردة والخنازير ... قاتلهم الله أنى يؤفكون

"خلاص"!!! عملنا اللى علينا ..الم نصفهم بالقردة والخنازير؟

..حسنا لقد عرفناهم حق المعرفة

بل قد تجد فى بعض المواقع
تجد شخصيات صهيونية ونبذه عن تاريخ اجرامهم وانهم ارهابيون ومعاهم حليفتهم امريكا
وانهم لا يعيرون العالم اى اهتمام ويضربون القرارات الدولية بعرض الحائط ووووو...
وتجد وتقرأ ايضا
الجدل حول الدور الذي تلعبه المخابرات الإسرائيلية في ترسيخ دعائم الدولة العبرية
التركيز على جرائمهم واساليبهم الماكرة القذرة
اما المذابح البشعة التى ارتكبوها...
فذاك امر تكرر وعبر الفضائيات...
حتى تبلد احساسنا واصبحنا نرى جرائمهم ولا يتحرك لنا ساكن!!.

وانا زلت اقول اننا لم نهتم بعد بما يجب ان نهتم به فى معرفتنا للعدو
>>>>
بعد كل هذا الذى اشرت اليه من حكاية اعرف عدوك
اريد ان ادخل فيما ارى، وادعى، وازعم انه يجب التركيز عليه لما فيه الفائدة والحكمة التى هى ضالة المؤمن...

"ما حدش جاب سيرة" الا القليل او على الاقل لم يتم التركيز على

...كيف يسوسون حياتهم وكيف يحكمون وما هو نظام الحكم لديهم وكيف تم
لهم كل هذا النجاح الذى تفوقوا فيه
علينا علميا وتقنيا ....
دعكم من الاجابات السهلة
ودعكم من الخطابة والفوران المشاعرى وحكاية الدعم الخارجى لها وووو

انا ارى انه كما نغفل عن اهمية التركيز على فساد نظمنا السياسية وتحويل اهتمام الناس الى
الى امور فرعية ..الكورة ..النقاب ..نظرية المؤامرة وامريكا اللعينه واوروبا المتواطئة...فاننا نغفل او نتغافل عن اهمية دراسة نظام
الحكم لديهم هل هو احد اسباب قوتهم ؟
وان كان الامر كذلك والحكمة ضالتنا ! فلماذا لا نستفيد من
تلك المعرفة اذا كانت "اعرف عدوك" من اجل الاستفادة وامتلاك وسائل المواجهة كما ندعى ؟
هل تحالفت انظمة الاستبداد لدينا مع اهل الخطابة والشعارات من اجل تجاهل هذا الامر ؟

ولماذا لا نملك الشجاعة لنقول ان لديهم نظام ديمقراطى حقيقى وحريات مكفولة وابواب مفتوحة
امامهم للمشاركة فى الشأن العام وللابداع فى مجالات الصناعة والزراعة وسائر المناشط الاقتصادية
لا تملك الحكومة عندهم أن تمنع مئات المظاهرات من عرب او يهود حتى المتطرفين ولا تقدر علي قمع أي صوت يندد ويعارض ويطالب ... بينما هنا كل من يرفض ويعارض ويطالب بالاصلاح والتغيير سيتم اتهامه بأنه عميل مأجور

لا يملك رئيس إسرائيلي أو رئيس وزراء هناك أن يزوِّر صوتًا انتخابيًّا ، ولا أن يجلس علي مقعد الحكم للأبد، ولا أن يعين ابنه علي رأس حزبه، ولا يستطيع أن يفلت من الحساب أو الرقابة والمساءلة، وكل مسئوليها متساوون أمام القانون من أكبر كبير حتي أصغر مسئوليها!.......
هل سمعتم ان رئيس وزرائهم السابق تم استجوابه فى "قسم" شرطة عشان ثلاتين الف دولار
لا اريد ان ازيد واستطرد "عشان محدش يقول انى بعمل دعاية ليهم ...هم فى غنى عنها طالما الواقع يشهد
بتفوقهم علينا ...؟
باختصار شديد اريد ان اخلص الى ان
فساد انظمتنا السياسية هو اس البلاء
ونجاحهم هو نتيجة ومحصلة لنظامهم السياسى الديمقراطى رغم ما يشوبه من اخطاء

تبقى كلمة اخيرة صدا واقفالا لباب الوسواس الخناس
تتعلق بالتنبيه الى ان ما ورد لا يعنى انهم يوتوبيا ارضية
فالامر لا يخلو من المساوئ لانهم بشر فى النهاية ولكنى احببت ان امضى فى فضاء التأمل الى مناطق محظورة
ولا يفوتنى ايضا ان انوه اى اننى لست يائسا من امكانية اصلاح احوالنا لو اردنا وبذلنا الجهد والتضحية اللازمة

العدو داخلنا وبداخلنا

لا وقت للنوم


--


السلام عليكم






Friday, May 14, 2010

قضايا عصرية...؟؟؟















قضايا عصرية . رؤية معلوماتية

المؤلف: د.نبيل علي



لقد بات العالم يشكو من ظاهرة الانفجار المعرفي وما صاحبها من تعقد العلوم والتكنولوجيا نتيجة لشدة التداخل بين فروع التخصص المختلفة


ولا يخفي علي أحد أن الفكر عبر التخصص ما زال غائبا عن معظم ساحاتنا الفكرية، وما زال معظم المتخصصين لدينا يشكرون - في رأي الكاتب - مما أسماه البعض

"بربرية التخصص".

والدكتور نبيل علي ،مهندس الطيران وعالم اللغة وخبير تكنولوجيا المعلومات هو -بلا منازع- رائد الكتابة عبر التخصصية علي مستوي الوطن العربي، ويكفي أن نشير

هنا الي حصوله مرتين

علي جائزة أحسن كتاب في المعرض الدولي للكتاب بالقاهرة عام 1994 عن كتابه الذائع الصيت "العرب وعصر المعلومات" وعام 2003 عن كتابه "العرب وتحديات

عصر المعلومات"

. الذي اصدرته دار العين، وفي كتابه الحالي ياخذنا د.نبيل علي في رحلة معرفية مثيرة غير مسبوقة من البيولوجيا الي اللغويات، ومن فسيولوجيا المخ الي الذكاء الاصطناعي

، ومن ثنائية الصفر والواحد

الي ثنائيات الفلسفة الديكارتية ومن الابعاد الثقافية والتكنولوجية لظاهرة العولمة الي أبعادها السياسية والاقتصادية




&&&&&




هذا كتاب ازعم اننى لم اقرأ كتاب فى مثل قيمته واهميته منذ سنين
كتاب فريد فى لغته واسلوبه ومنهجه
احببت ان اعطى لمن شاء فكرة مختصرة عنه
الكتاب اسمه قضايا عصرية برؤية معلوماتية
والكاتب هو د نبيل على والناشر دار العين للنشر
" توجد طبعة رخيصة الثمن ضمن منشورات مكتبة الاسرة"
الكتاب ينقسم الى القسم الاول الذى يحتوى على
عناوين فرعية هى :
العولمة والعولمة المضادة
الهوية العربية
معاداة السامية

القسم الثانى "وهو ما اعجبنى اكثر"
عناوينه الفرعية هى
وراثة اللغة ولغة الوراثة
الة الفكر وفكر الالة
الصفر والواحد ثنائية العصر
اصدقائى...لى ملاحظة تنطلق من تجربتى الخاصة عند قراءة هذا الكتاب
الملاحظة تتعلق بما واجهته فى البداية من صعوبة فى التفاعل مع الكتاب
ولكننى ثابرت على الاستمرار حتى وصلت الى القسم الثانى الذى استمتعت
كثيرا به ...انتهيت منه وعرضته على احد اصدقائى فطلب منى استعارته
فقدمته له بسرور علنا نتناقش سويا فى محتواه....مضت الايام وانا اسأل صديقى
اين وصلت وما رأيك؟....مضت ايام اخرى واخيرا قال لى انه كتاب راااااائع

ولكنه اشار على بان نقرأه سويا مع صديق ثالث رشحه هو وزكيته انا....
كان هذا الكتاب معنا فى احاديثنا منذ ذلك اليوم والى الان وقد اقتنيت نسخة من
اصدارات مكتبة الاسرة لان صديقى صادر النسخة التى لديه !!!؟


@@@@@


Sunday, May 2, 2010

ابتسم، ولا تيأس؟









فى الفرح بنضحك

فى الجد بنضحك

وفى الحزن بنضحك


***********************************



قامت منظمة عالمية باستطلاع للرأي حول انقطاع التيار الكهربائي، فسألت مواطنا غربيا عن رأيه في انقطاع التيار الكهربائي؟ فرد الغربي: يعني ماذا انقطاع؟ نحن ليس عندنا انقطاع في التيار الكهربائي، فسألوا مواطنا من العالم الثالث ما رأيك في انقطاع التيار الكهربائي؟ فرد: يعني ماذا كهرباء؟، فسألوا مواطنا عربيا ما رأيك في انقطاع التيار الكهربائي؟ فرد: يعني ماذا رأي؟!

،،،،،،،،

*** *******************

النكتة السياسية تبحث عن بسمة

في معاقل الاستبداد

*************************


عالم النكت عالم عجيب وغريب، لا تعرف بدايته ولا حدوده، ولكنه موجود بيننا يصاحبنا في ترحالنا وإقامتنا، لا تكاد تخلو منه لغة أو ثقافة أو بلد، تجد للنكتة مرادفها في أكثر من حارة وجماعة وبلد، يتغير الفاعلون والأسماء وتبقى النكتة لتعبر عن فكرة وموقف يتجاوز حدود البقعة التي أطلقتها وأصحابها الذين اختلقوها، فهي عابرة للقارات وللزمن، وأكاد أجزم بأنها سبقت تقارب الأسواق وعولمة الاقتصاد وتداخل المصالح، وشكلت أول بنود ميثاق القرية الكونية الذي لم ير النور إلا أواخر الألفية السابقة.



والنكتة السياسية هي إحدى أظرف هذه النكت وأكثرها تجاوزا للإطار الزماني والمكاني، وكثيرا ما سمعنا عن نكات تضحك شعوبا مختلفة الأعراق والتقاليد، وتفصلها مسافات التاريخ والجغرافيا وهي تعبّر عن أحوال وظواهر تجاوزت الحدود وجمعت كل هذه الشعوب.

والنكتة السياسية تعبير عن العلاقة بين واقع يعيشه أصحابه وبين حاكم يحكمه، فيمكن أن تكون النكتة تعبيرا في إطار ديمقراطي أو في عالم مستبد. فنكتة الاستبداد غمغمة وإطارها الدهاليز والبيوت المغلقة والمشي حذو الحائط، وصاحبها الخوف والريبة والتوجس، ومآلها ضحكة عابرة لتنطفئ الشمعة بعد حين، وإن عرف صاحبها فهو في عداد المفقودين.

أما نكتة الإطار الديمقراطي فهي علانية ومباشرة لا يحملها خوف ولا يصحبها ارتعاش الأصابع، ومآلها التغيير أو المساهمة في تنحية الغبار عنه، حتى إنها تصبح مؤشرا للشعبية لرجل السياسة ونوعا من الطمأنة حول وجوده في المشهد العام، حتى إنه يُروى أن ديغول كان كثيرا ما يحزن وينزعج خوفا من تدني شعبيته إذا لم يجد رسم كاريكاتير له منشورا أو نكتة سياسية تنقده!


ولعل أخصب هذه النكات وأكثرها تداولا وأجملها تعبيرا هي التي تريد وصف العلاقة بين هذه الجماهير وحكامها، وتتجلى في هذه العلاقة المتوترة والتي ترتكز غالبا على استخفاف واستفراد وإقصاء واستبداد.. ولهذا تجد أن تكاثر النكت في هذا المجال يصحب درجة الاستبداد المصاحبة, فكلما كثرت النكت عبرت عن درجة متقدمة ومستويات عالية من الاستبداد والغطرسة.

فالنكتة السياسية في مواطن الاستبداد تعبير أولي عن حالة خاملة أو متردية للحرية داخل البلد، وهي مؤشر نوعي وحقيقي لدرجة القهر السياسي التي عليها البلد ومستوى الفساد فيه.



بلاد أضحت تعبيرا عن الاستبداد والاستخفاف بالشعوب، فكانت مناطق مثل أفريقيا والعالم العربي محطات ملزمة للنزول لمن أراد تتبع خطى النكتة السياسية وآثارها.

كنا نتمنى إرثا غير هذا، ولكن الاستبداد أبى إلا أن ينشر رداءه علينا كاملا، يقول رسام الكاريكاتير الشهير ناجي العلي: من يريد النكتة في العالم العربي فعليه ألا ينظر إلى الكاريكاتير، بل إلى الواقع السياسي العربي.


عندما تعبر النكتة عن واقع متوتر
تتأرجح النكتة بين الدفاع عن الذات ومحاولة المقاومة والتعبير عن الرفض وعدم التقوقع، وبين الانسحاب الفعلي والانكفاء نحو مناطق أقل ضررا والاكتفاء بالقليل. بين هذين التفسيرين يبرز الدور الذي تلعبه النكتة سواء في البقاء على الحياة ولو على عكازين، أو الموت السريري الذي ينتظر صاحبه قبل النهاية الفعلية ودخول المقبرة.


إن النكتة السياسية تنفيس ولا شك عن غضب منضبط وتعبير عن سخط عام، ومحاولة مواجهة الظلمة ولو بفانوس صغير أو شمعة لا يكاد زيتها يضيء، ولكنها يمكن أن تمثل خلاصا نهائيا مغشوشا وحالة ثابتة تلتجئ إليها الشعوب اضطرارا وتنتهي إلى أن تصبح مثبطا للعزائم واستئناسا وقبولا بها، فتتأقلم الجماهير مع الحالة وتنسى واقعها الحقيقي وما يتطلبه من تفاعل وتفعيل، وتصبح النكتة وأصحابها جزءا من الواقع المستبد بما تحمله من إرجاء وتواكل ورضاء به.

فينقطع الحبل بين جماهير "تنكّت" غضبا لتضحك، ونخبة تحاول قيادة النضال ورج هذا الواقع الساكن والمجمد. فيمكن للنكتة من هذا الباب أن تحمل شحنة سلبية تخدم الاستبداد أكثر مما تعاديه وتساهم في تمكنه وتواصله. ومما يروى عن العديد من الحكام أنهم يتلهفون يوميا لسماع آخر النكت التي تعنيهم ولا يرون غضاضة في الاستمتاع بها وبداية صباحهم بابتسامة واستلقاء على السرير من كثرة الضحك!


من هذا الباب لا نستغرب أن تخدم النكتة الاستبداد من خلال تفريغ شحنة الغضب وتسكين السخط وجعل الجماهير تعتقد أنها أدت دور المعارضة والرفض وزيادة، وأن مسؤوليتها انتهت عند عتبة خيمة الحاكم. كما أن النكتة يمكن أن تخدم بعض القرارات التي يريد المستبد إيصالها بطريقة لطيفة وحتى مضحكة، ولكنها بإعادتها وتكرارها في غلاف الابتسامة والضحك وتعوّد الناس على سماعها، تصبح غير غريبة ولا شاذة، وتنطلق في التمكن داخل وعي الجماهير ومخيالهم. ولذلك نرى في بعض البقاع كثرة النكات حول توريث الحكم للأبناء أو الزوجات، فتكون البداية اندهاشا وضحكا واستلقاء على الظهر، وفي النهاية قبولا وانسحابا وزحفا على البطون.

ولهذا ليست النكتة السياسية دائما معراجا واضحا وسليما، لتمثل ذلك البعد المعروف في أنها معارضة في إطار دافئ ومبتسم، ولكنها يمكن أن تكون أداة للاستبداد في تمرير فعل أو نظر بكل هدوء، وهو يراهن على قابلية الجماهير التي تبنى في منازل اللاوعي.


النكتة في ظلال الاستبداد
بين هذا وذاك، وإذا ما أرادت النكتة أن تحمل روح الخلاص -حسب تعبير غورباتشوف الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي سابقا، وهو يعلق على حالة بلاده أيام السوفيات- فإنه يجب أن تكون النكتة مسارا سياسيا واجتماعيا ضاغطا، ومنهجية مقاومة مدنية ناجحة إذا احترمت شروطا، منها:

* النكتة محطة في المقاومة المدنية وليست كل المقاومة، حتى لا يهيمن السكون والإرجاء وتتعطل المسارات وينجو الاستبداد مراهنا على العدم. فهي مسار متزامن مع مسارات أخرى في المعارضة ومقاومة الاستبداد.

* النكتة بداية وعي بالمقاومة السلمية وليست نهاية الوعي، ولهذا ليست من مهمة المعارضة الواعية استباق ضحك الجماهير أو مصاحبته نحو مناطق السكون وإراحة الضمير، والقناعة بأنها أدت المسؤولية وكفى الله المؤمنين القتال، ولكن يجب توظيف هذه الاستفاقة الجماهيرية المبتسمة والمتواصلة، ودفعها إلى مناطق أكثر وعيا وفعلا سلميا.

لقد كان سؤال النهضة بحثا عن الاستبداد ومواقعه وآلياته ومحاولة تجاوزه فهو عين الداء ولا يزال، وإذا كان هذا السؤال متواصلا ومحاولة الأجوبة كذلك بين حاكم ومحكوم ونخبة وعوام، إلا أن الاستعمار الذي كان إطاره قد ولى أو يكاد، وعوضته وجوه من بني جلدتنا تحمل أسماءنا وتدفعنا إلى البحث عن استقلال ثان بعدما خابت الآمال وتنحى الرجاء...

سؤال النكتة السياسية اليوم وفي ديارنا ومن داخل دهاليزنا وكهوفنا ليس إلا تثبيتا وتعميقا لنفس السؤال ولكن تحت لحاف يبتسم، ابتسامة المنهوك أو المحبط أو اليائس أو الثائر، أو كل ذلك.

سؤال النكتة السياسية اليوم هو بين استكانة وتقوقع ورمي للمنديل واختفاء في المقابر واتكال على الآخر، لعله يأتي من السماء أو من تحت الأرض أو من وراء الحدود، وبين ثائر ومقاوم لم يعد يملك أداة غير ابتسامته ولا وسيلة للتعبير عن معارضته سوى بياض أسنانه، وفي كلتا الحالتين هو تعبير عن أزمة الكلمة وأزمة الفكر وأزمة الرأي في ديارنا.


قد قيل إن ابتسامة الإنسان هي عنوان بشريته، فالحيوان لا يضحك، والإنسان حيوان ضاحك... وحتى لا يصبح حيوانا يُضحِك، فإن شروط إنسانيته تكمن في تعامله الواعي والمتحدي لأي واقع مهتز ومتوتر يدفعه إلى الانسحاب والتقوقع ودخول المقابر والرضا بصولة الصولجان.

وحتى يبقى حديثنا كما بدأناه يحمل البسمة المعبرة، ورغم منازل اليأس والتيئيس المحيطة والغالبة، إليكم هذه النكت التي تلخص كل حديثي وتتجاوزه... وهي على بساطتها تعبر عن مفاهيم وأدوار كبيرة تتماهى بين ديمقراطية وتنمية وشعوب وحكام.



في حوار بين وزير عربي ووزير غربي، قال هذا الأخير نحن في بلادنا نعطي للموظف 10 آلاف دولار في الشهر كحد أدنى، ونأخذ منه 5000 كضرائب وفواتير ماء وكهرباء، ولا نسأله بعد ذلك ماذا يفعل بالبقية. فأجابه الوزير العربي نحن أحسن منكم نعطي الموظف 200 دولار في الشهر ونأخذ منه ألفا، ولا نسأله من أين يأتي بالبقية!



أحدهم وجد فانوسا سحريا فمسحه فطلع له عفريت، وقال له اطلب ما تريد، قال له الرجل، وهو من الذين يعانون من أزمة المواصلات في بلده: أريد كوبري من بلدي إلى العاصمة، فأجابه العفريت: هذه صعبة، اطلب شيئا آخر. قال الرجل: اجعل حاكمنا يترك السلطة! فقال له العفريت مسرعا: الكوبري الذي تريده طريقان ذهاب وإياب أم ذهاب فقط!!!.




منقول بتصرف