Tuesday, June 10, 2008

ثقافة الصمت



ثقافة الصمت


مشكلة تاريخية مستعصية

انها اشكالية مزمنة ليس في حاضرنا، بل هي مشكلة مستعصية في تاريخنا بحيث انتجت حالات الصمت ثقافة خفية باستطاعة المرء كشفها، خصوصا وان تلك " الثقافة " كرسّت نهج الاستلاب للمواقف والمنتجات والخطاب وكل معاني الذات..
الصمت غدا بحد ذاته ثقافة يألفها الناس ليس في الازمان العصيبة فحسب، بل حتى في الايام العادية. الصمت قد يغدو فلسفة وقد يصبح سياسة، او قد يكون ضرورة، او يجمعها كلها في " ثقافة " مميزة واضحة يرتع اصحابها بالخوف وتلجم افواههم بالاقفال ، .....
الصمت يغدو تجليا في بعض الاحيان ولدى بعض الناس، او يكون فلسفة وعبادة كي تدع النفس تتأمل وهي صامتة.. اي بمعنى انها تقرأ كل ما يحيطها وما لا يحيطها وهي صامتة تجرى حواراتها في دواخل الاعماق.. الصمت عدا التأمل يمكن استخدامه ممانعة ورفضا واعتراضا.. اي انه تعبير عن حالة معينة من القطيعة باعلى درجات الشعور.. وعليه، فثمة مسيرة صامتة وخطابا تعبيريا صامتا.. ربما تستخدم فيه لغة مبهمة او لغة الاشارات والرموز.. كي تقوم الملامح مقام الخطاب..
وتمر بنا عبارات : لحظة صمت.. دقيقة صمت.. حلم صامت.. نظرة صامتة.. صمت القبور.. لغة الصمت.. التواصل الصامت.. الموسيقى الصامتة.. المسكوت عنه.. سؤال الصمت.. ساد الصمت.. لغة العيون.
باختصار : ان المتوارث في ثقافاتنا منذ القدم وحتى اليوم يقول بأن من يقول كلمته بشجاعة سيدفع ثمنها خصوصا اذا كان في مجتمع تغيب عنه الحريات، وفي بيئة تسودها شريعة الغاب، وفي مخاض تنعدم منه الموازين.. وكثيرا ما يصبح الرأي الاخر او الاجتهاد او النقد المخالف عرضة للتشويه والاستلاب، بل ربما يدمره التكفير والتخوين والقتل
ان القسوة هي التي علمت الانسان كيف يلبس الاقنعة المتعددة، ثم كيف يظهر ويختفي.. كيف يتكلم ومتى يصمت؟ الظلم هو الذي خلق من الانسان ان يظهر عكس ما يبطن والعكس وقت الضرورة صحيح.. ثمة من يقول ان الصمت هو من اجل الحيطة والحذر، والمعروف ان من يلوذ بالصمت هو نقيض من يهوى الثرثرة ونشر الفضائح.. ان مجتمعاتنا التي ارادت ان تتحرر في القرن العشرين من كل اوبئة الماضي، غير قاصرة في ان تمتلك ثقافة نقدية تساهم في تحقيق منجزات خارقة.. ونمتلك تاريخا من النضال السياسي.. وميراثا حضاريا من النقد وصناعة المواقف.. لقد انجبت مجتمعاتنا نسوة ورجالا على امتداد التاريخ كانوا نبراسا في الشجاعة والمقدرة وحسن التقدير وصناعة الخطط والمواجهة.. واليوم نفتقد الكثير من كل تلك السمات والخصائص والمميزات.. اذ ساد الاستسلام والاختفاء او التمرد والتوحش القاتل