Saturday, September 26, 2009

خروف وخرفان







خروف وخرفان

!!!!

في زاوية قصية .. وبعيدا عن أعين الإعلام ... كان الجزار يحد سكينه ويجهز كلاليبه
منتظرا وصول أول خروف عربي من الزريبة المجاورة للمسلخ
في تلك اللحظة كانت الخراف في الزريبة تعيش وتاكل وتشرب وكأنها قد جاءت الى تلك الزريبة بضمان الخلود .
دخل الجزار فجأة الى وسط الزريبة فأدركت " الخرفان " بحسها الفطري أن الموت قادم لامحالة .
وقع الاختيار على احد الخراف ..وأمسك الجزار بقرنيه يسحبه الى خارج الزريبة ....
ولكن ذلك الكبش كان فتيا في السن ذو بنية قوية وجسما ممتلئا وقرنين قويين ..وقد شعر برهبة الحدث..
وجبن الموقف ..وهو يقاد الى الموت ... فنسي
الوصية رقم واحد من دستور القطيع ... وهي بالمناسبة الوصية الوحيدة في ذلك الدستور ...
وكان قد سمع تلك الوصية قبل ساعات من كبار الخرفان في الزريبة ....
وطانت الوصية تقول :- حينما تقع عليك اختيالر الجزار فلا تقاوم فهذا لن ينفعك بل سيغضب منك
الجزار ويعرض حياتك وحياة افراد القطيع للخطر .
قال هذا الكبش في نفسه : هذه وصية باطلة ودستور غبي لاينطلي حتى على قطيع الخنازير ..فكيف بنا نحن
الخراف ونحن أشرف وأطهر .. ... فاذا كانت مقاومتي لن تنفعني في هذا الموقف ... فلا أعتقد انها ستضرني ...
اما قولهم ان مقاومتي ستغضب الجزار وقد يقتل جميع الخرفان ...فهذا من الغباء ...فماجاء بنا هذا الجزار
الى هذه الزريبة الا وقد أعد عدته ورسم خطته ليذبحنا واحدا بعد الاخر ....فمقاومتي قد تفيد ولكنها
بلا شك لن تضر ....
انتفظ ذلك الكبش انتفاظة الاسد الهصور ..وفاجأ الجزار ...واستطاع ان يهرب من بين يديه ليدخل في وسط
القطيع حيث نجح في الافلات من الموت الذي كان ينتظره .
....لم يكترث الجزار بما حدث كثيرا ... فالزريبة مكتظة بالخراف ولاداعي لتضييع الوقت في ملاحقة ذلك الكبش الهارب
أمسك الجزار بخروف اخر وجره من رجليه وخرج به من الزريبة ....
كان الخروف الاخير مسالما مستسلما ولم يبد اية مقاومة ..........الا صوتا خافتا يودع فيه بقية القطيع
نال ذلك الخروف اعجاب جميع الخرفان في الزريبة ... وكانت جميعها تثني عليه بصوت
مرتفع وتهتف باسمه ... ولم تتوقف عن الهتاف حتى قاطعها صوت الجزار الجهوري وهو
يقول ..... بسم الله والله أكبر
خيم الصمت على الجميع ....وخاصة بعد ان وصلت رائحة الموت الى الزريبة . ولكنهم سرعان ماعادوا الى
اكلهم وشربهم مستسلمين لمصيرهم الذي يرفضون أي فكرة لمقاومة ذلك المصير بل قد يتعرض أي خروف
يدعو الى مقاومة الجزار الى الموت نطحا قبل أن يقتل ذبحا.
وهكذا بقيت الخراف في الزريبة تنتظر الموت واحدا بعد الاخر ... وفي كل مرة ياتي الجزار ليأخذ احدهم لاتنسى
بقية الخراف بان توصيه على الموت على دستور القطيع لا ثم لا للمقاومه
وكان الجزار وتوفيرا للوقت والجهد .... اذا وجد خروفا هادئا مطيعا ...فانه يأخذ معه خروفا اخر .
وكل مازاد عدد الخراف المستسلمة .... زاد طمع الجزار في أخذ عددا اكبر في المرة الواحدة ... حتى وصل
به الحال أن يمسك خروفا واحدا بيده وينادي خروفين اخرين او ثلاثة او اكثر لتسيرخلف هذا الخروف الى المسلخ.....
وهو يقول : يالها من خراف مسالمة ... لم احترم خرافا من قبل قدر ما احترم هذه الخراف ....
انها فعلا خراف تستحق الاحترام.
كان الجزار من قبل يتجنب أن يذبح خروفا امام الخراف الاخرى حتى لايثير غضبها وخوفا من أن
تقوم تلك الخراف بالقفز من فوق سياج الزريبة والهرب بعيدا... ولكنه حينما رأى استسلامها المطلق ..
أدرك أنه كان يكلف نفسه فوق طاقته ..وان خرافه تلك تملك من القناعة بمصيرها المحتوم
مايمنعها من المطالبة بمزيد من الحقوق ...
فصار يجمع الخراف بجانب بعضها ... ويقوم بحد السكين مرة واحدة فقط ... ثم يقوم بسدحها وذبحها...
والاحياء منها تشاهد من سبقت اليهم سكين الجزار .. ولكن .. كانت الوصية من دستور القطيع تقف
حائلا امام أي احد يحاول المقاومة او الهروب ..." لا تقاوم ..." ....
في مساء ذلك اليوم وبعد أن تعب الجزار وذهب لاخذ قسط من الراحة ليكمل في الصباح مابدأه ذلك اليوم ...
كان الكبش الشاب قد فكر في طريقة للخروج من زريبة الموت واخراج بقية القطيع معه
كانت الخراف تنظر الى الخروف الشاب وهو ينطح سياج الزريبة الخشبي مندهشة من جرأته وتهوره .
لم يكن ذلك الحاجز الخشبي قويا ... فقد كان الجزار يعلم أن خرافه أجبن من أن تحاول الهرب .
وجد الخروف الشاب نفسه خارج الزريبة .... لم يكد يصدق عينيه ...
صاح في رفاقه داخل الزريبة للخروج والهرب معه قبل أن يطلع الصباح
ولكن كانت المفاجأة أنه لم يخرج أحد من القطيع .... بل كانوا جميعا يشتمون ذلك الكبش ويلعنونه و يرتعدون
خوفا من أن يكتشف الجزار ماحدث...
وقف ذلك الكبش الشجاع ينظر الى القطيع .. في انتظار قرارهم الاخير
تحدث افراد القطيع مع بعضهم في شأن ما اقترحه عليهم ذلك الكبش من الخروج من الزريبة والنجاة بانفسهم
من سكين الجزار ....
وجاء القرار النهائي بالاجماع مخيبا ومفاجئا للكبش الشجاع ....
في صباح اليوم التالي ....جاء الجزار الى الزريبة ليكمل عمله .. فكانت المفاجأة مذهلة
سياج الزريبة مكسور ...... ولكن القطيع موجود داخل الزريبة و لم يهرب منه أحد ..........
ثم كانت المفاجأة الثانية حينما رأى في وسط الزريبة خروفا ميتا ... وكان جسده مثخنا بالجراح وكأنه تعرض للنطح
نظر اليه ليعرف حقيقة ماحدث ........... صاح الجزار ... ياالله ... انه ذلك الكبش القوي الذي هرب مني يوم أمس
نظرت الخراف الى الجزار بعيون الامل ونظرات الاعتزاز والفخر بما فعلته مع
ذلك الخروف " الارهابي " الذي حاول أن يفسد علاقة الجزار بالقطيع ويعرض حياتهم للخطر .
كانت سعادة الجزار أكبر من أن توصف ... حتى أنه صار يحدث القطيع بكلمات الاعجاب والثناء
ايها القطيع .. كم افتخر بكم وكم يزيد احترامي لكم في كل مرة اتعامل معكم ...
ايها الخراف الجميلة ...لدي خبر سعيد سيسركم جميعا .....وذلك تقديرا مني لتعاونكم منقطع النظير ....
أنا وبداية من هذا الصباح ..... لن أقدم على سحب أي واحد منكم الى المسلخ بالقوة .... كما كنت
أفعل من قبل ... فقد اكتشفت انني كنت قاسيا عليكم وان ذلك يجرح كرامتكم ....
كل ما عليكم أن تفعلونه يا خرافي الاعزاء أن تنظروا الى تلك السكين المعلقة على باب المسلخ ...فاذا لم تروها
معلقة فهذا يعني أنني أنتظركم داخل المسلخ .
فليأت واحد بعد الاخر .... وتجنبوا التزاحم على ابواب المسلخ ....
وفي الختام لا انسى أن اشيد بدستوركم العظيم ...... لا للمقاومة ...
وهذا ماجنته ايديكم ايها الخراف


في الختام ... مجرد سؤال بسيط : هل الخرفان أصلها عربي؟؟

منقووووووول

منين.. ما اعرفش ؟

Tuesday, September 15, 2009

الجمع بين المختلفين







من حق الناس أن تتشدد في الدين وأن تتزمت وأن تتطرف أيضًا، هي حرة لكن المشكلة أن من يعتقد أو يعتنق التشدد والتطرف الديني يؤمن بأنه-

1
يملك الحقيقة المطلقة والكاملة
2
أن غيره علي خطأ أو علي ضلال أو علي كفر
3
أن التشدد والغلو والتطرف تفرض علي صاحبها أن يلزم الآخرين بفكره وبرأيه إقناعًا أو إجبارًا
ووسط الصخب المتمسح بالدين وفي قلب التدين القشري الشكلي لم يعد لدينا الكثير ممن نتلمس عندهم الحكمة ونسمع منهم الموعظة الحسنة. فشيوخنا إما جالس علي عتبة السلطان أو متشدد متنطع يهذي بالتكفير ويظنه تدينًا ودينًا أو تاجر دين يبيع البضاعة حسب الزبون أو خدام لدي الوهابيين الذين يمولون جمعيات دينية وشيوخًا وقنوات فضائية وبرامج ومساجد ومعاهد وصُرر الدنانير تعودت علي شراء ذمم تجار الدين منذ أيام معاوية وحتي الآن،. نادر جدًا هو الشيخ الذي يُبشر ولا ينفر، يُيسر ولا يُعسر، ينير ولا يُعتم، يهدي ولا يُضلل، يوسع ولا يُضيق، يُصارح ولا يُنافق، يُضيف ولا يُخيف، يعطي ولا يأخذ.. وقد علمتني التجارب والمتاعب أن الذي يتعمق في الدين تشتد سماحته، تتسع مداركه، تتضح أحكامه السمحة وأفكاره المنفتحة، أما التطرف، التشدد والتنطع فهو يعبر عن جهل قبل أن يعبر عن غلظة، ينطق بالسطحية والهشاشة أكثر من الفظاعة والفظاظة

وحين يعود المرء لأمهات الكتب، مراجع الأئمة، كتب تفسير القرآن الكريم وعطاء الأمة الفكري والديني يكتشف أن هذا الدين أعظم كثيرًا من المتدينين به، أن هذا العلم الديني أعلي مقامًا، أغلي مكانة من كثير ممن يفتون به وفيه، فديننا لا دين المتطرفين ، دين يدعو إلي الحوار والعقل والتفكير والخلاف والاختلاف والانفتاح الفكري، ولاشك أن هذا الدين دين سماوي لكل البشرية لا يغلق أبواب اجتهاده؛ بل الثقافة الإسلامية تؤمن بالتجديد ولا تضيق به وتفتح ذراعها له سواء كان تجديدًا في الدين أو تجديدًا في الحياة. إنه لا أحكام مسبقة ولا دوائر مغلقة في إبداء الاجتهاد، النقاش والكتابة والتدارس في الدين.. بل هو ميدان يجب أن يكون مفتوحًا للكافة، لكل من يريد أن يتصدي فيه دون قيد ولا شرط، فقط الحوار، التفاعل، الجدل، التناظر، ، مواجهة الشطط والغلط، تفنيد الأسانيد والمزاعم، الكتب ضد الكتب، الحوارات ضد الحوارات، هذه هي سبيل كشف الزيف، وفضح الضعف، مؤمنين تمامًا بأن ليس كل تقليد جمودًا، ليس كل تجديد باطلاً، ليس كل تقليد اتباعًا وليس كل تجديد إبداعًا وابتداعًا (!!).، نحاول أن نتقارب، نتحاور، نجمع لا نشتت ونناقش لا أن نكفر، لا نقسم الناس إلي معسكرين بل نسعي إلي أن يكونا معسكرًا واحدًا، كبيرًا وواسعًا يجمع بين المختلفين والمتناقضين في أشياء والمجمعين علي أشياء أخري ليكن بيننا خلاف وخلافات لكن في إطار سعينا
جميعًا إلي خير الأمة، لكن المشكلة أن الأمة غائبة أو نائمة في أحضان التطرف مدفوع الأجر أو مندفع الأمر
!!!

ابراهيم عيسى بتصرف


ما أريكم إلا ما أرى




هكذا خطب فرعون في جماهيره(..ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) ونطاق الحديث عن قول فرعون موضوع الصراع ، ولا يخفى أن( القول ومضامينه ) كان ولا يزال آلية صراع حاضرة على الدوام بين الخير والشر، والحرية والاستبداد، وهذا الصراع يخترع آلياته الخاصة به ، ويتشكل بايحاءات المعتقد والأهداف والرؤى في إطار عوامل الزمان والمكان ومستويات ثقافة الانسان الخيرية والشريرة.
واللافت للنظر في القرآن الكريم أن عدد الآيات التي تتحدث عن موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون رمز الاستبداد قد فاقت كل سير الأنبياء والمرسلين، وكأنها بهذا الكم الهائل تشير إلى مستويين أساسين؛ مستوى معرفي، ومستوى عملي، ففي المستوى الأول تشير الآيات إلى مبدأ الرمزية في القرآن؛ ففرعون يمثل الطغيان السياسي. والمستوى الثاني يؤكد على أن كبرى الصراعات الانسانية تدورفي فلك الحكم والسياسة وقضايا الحريات.
لذلك فقد تناول القرآن الكريم برمزيته المعرفية عرض أهم محاورالاستراتيجية الفرعونية في إدارة الصراع، لكي يعرف العاقل الحر هذه الاستراتيجية ويدخل إلى حلبة الصراع مع الطغاة وهو أهلا لها، ولا يتكي على العقلية الاعتذارية( وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا )!!
وإنطلاقا من قوله تعالى( وكذلك نفصل الآيات، ولتستبين سبيل المجرمين ) قدم القرآن الكريم عرضا شاملا لأهم معالم استراتيجية فرعون رمز الطغيان السياسي في كيفية إدارته للصراع الاجتماعي والسياسي في السيطرة على الوطن والمواطن، والذات والقيم والاشياء، ليحذر منها الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم!!
فأول هذه المعالم: الاعتماد على الكذب والتدجيل، وتجاهل الحقائق والحقوق، والتملص من الواجبات ( كداب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا..).
ثانيا:التعذيب، والقتل، والسحل، وانتهاك الأعراض هي اللغة الحقيقية في منطق فرعون، وهي نظريته الأسمى في التعاطي مع المخالفين له في الرأي. وقد يتحول الطاغية تكتكيا إلى بعض الاختيارات الفكرية لأحتواء مخالفيه، ولكن منطقه الاستراتيجي السحق والسحل والتهميش هو الثابت والمعتمد(..إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب، ويذبحون أبناءكم ، ويستحيون نساءكم.. ).
ثالثا: من منطق الطغاة تمزيق النسيج الاجتماعي بضرب قيمه الاجتماعية، وتقسم المجتمع إلى شرق وغرب، وموالين ومعادين، وأغنياء وفقراء، ومتعلمين وجهلاء، ومن ثم تقسيم معارضيه إلى قوى متناحرة ومتنافرة، وتحويل أفكارهم إلى أفكار غثائية، وآلياتهم إلى أليات بالية. وفرعون بهذا المنطق يبث الفوضى ويثير دوافع الاحتراب بين طبقات المجتمع الممزق( إن فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم.. ).
رابعا: يترتب على هذا المنطق؛ منطق تمزيق النسيج الاجتماعي قيما وفكرا إلى تشبع نفسية الطاغية بالفرعونية، والشعور بالسيطرة التامة، والملكية الكاملة للوطن والمواطنين، ومن ثم فهو صاحب الحق المطلق في التصرف فيما يملك بدون مساءلة ولا مراجعة( ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحتي، أفلا تبصرون).
خامسا: وبهذه الملكية المطلقة ومطلق الملكية للوطن والمواطن يرى فرعون أنه صاحب الحق في صبغ الوطن والمواطنين بأفكاره ونظريته في كل قضية كبيرة أو صغيرة؛ سياسية أو اجتماعية، دينية أو دنيوية. وهو بذلك لا يستحى من أحد فكل الذوات والقيم والأشياء من ممتلكاته( قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ).
وبالتالي فإن هذا المنطق الفرعوني؛ منطق التملك الكامل للأشياء والقيم والذوات( بلغة الهندسة= الملك الحر) يؤدي إلى مزيد من الطغيان في جانب فرعون، ومزيد من الخضوع والخنوع في جانب المجتمع بكل أطيافه. ومن خلال هذه المعادلة أو المفارقة يتمادى فرعون بمنطق الملكية هذه إلى مصادرة حق الشعور والانتماء والاعتقاد الشخصي( قال فرعون وما رب العالمين؟...قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون، قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين )، وهذا المنطق يسبب عدة أفات مزمنة للمواطن وكينونته الانسانية، منها: سلب إرادته في إدارة الصراع، واقناعه بالإنسحاب وعدم المبالاة، وتنازله عن قيم المواطنة وحق المشاركة، والقبول بمبدأ التدجين والتبعية رهبة أو رغبة( فاستخف قومه فأطاعوه،إنهم كانوا قوما فاسقين )!!
ولا نستغرب أن القرآن قد أشار إلى أهم وسائل السيطرة التي اعتمد عليها فرعون حيث اعتمد على السحرة والسحر،والسحب من رصيد التدين لدى المجتمع في عملية التدجين السياسي وذلك من خلال السحرة بأنواعهم والسحر بألوانه( فجمع السحرة لميقات يوم معلوم...فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين، قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين )و( سحروا أعين الناس ). ولا يخفى دور السحرة والسحر في إضفاء الشرعية على الفعل والفكر الفرعوني.لذلك وجب على العاقل ذو الإرادة والعزيمة السياسية أن يحدد هؤلاء السحرة ويكشف سحرهم؛ فقد يكونوا رجال دين، أو متنفعين من الوضع الراهن، أو من جيوش المرتزقة التي تعيش على الهبات، أو الأكثرية الممزقة التي رضت بسياسة التمزيق إلى شيع. كل ذلك ينبغي معرفته ليسهل توجيه النقد في خط الصراع مع فرعون، ولكن بنبغي أن يكون موضوع النقد متوجه صوب الظاهرة وليس الاشخاص، القيمة وليس الذات. إن معرفة هذه الجيوش وفرزها وتمييزها في غاية الأهمية والحساسية على الصعيد الاستراتيجي، وربما تستوجب معرفة هذه الجيوش وعملية فرزها إلى توجيه نقد شامل لكل أطياف هذه الجيوش لتعود إلى كينونتها السوية، ومن ثم محاولة إدخالها إلى حلبة الصراع للمطالبة بحقوقها والإلتزام بواجباتها وفق قيم العدل والحريات والانسانية.
وأخيرا... لا يستقم لمن عقل القرآن الكريم في هذا الشهر الفضيل،أن يرضى لنفسه أن يكون من جملة سحرة فرعون وجيوشه الجرارة الذين استخفهم فأطاعوه !!


د عبدالحكيم الفيتورى

الوحى والعقل





مدرستان متخاصمتان... إلى متى؟

يرى الاتجاه النصوصي الحرفي أن نصوص الوحي تستوعب كل الأحداث والوقائع والأحوال عبر الزمان والمكان ويجب أن تقتصر مهمة المسلم على الفهم الظاهري والتطبيق الفوري، فهو لا يبالي كثيرا بالعقل بل يرى فيه خصما للوحي ،وإذا كان التيار امتدادا لمدرسة الحديث أو الأثر فقد التحق به في بواكير الصحوة المباركة جمع من كبار المفكرين أمثال سيد ومحمد قطب كرد فعل على الهجمة العقلانية الطاغية التي كانت _ وما زالت _ تتبجح بالعقل لتزاحم الوحي وتحل محله النزعة الوضعية الوافدة من الغرب، ولا شك أن لمدرسة النقل مزايا وإيجابيات أوّلها المحافظة على قداسة نصوص الشريعة من التمييع والإقصاء غير أن غلوها كاد يذهب بجمال الأصالة فاتهامها للعقل مبالغ فيه فكأنّما لا تقيم له وزنا رغم أنه مناط التكليف ووسيلة التقدم المعرفي والحضاري ، وزاد الطين بلة أن أنصار التمذهب الفقهي _ وهم أتباع هذه المدرسة بالضرورة _ يظنون من فرط احتفائهم بالنقل أن عقول القرن الهجري الأول وما يليه قد حلّت مشاكل جميع الأزمان وكفتنا مؤنة النظر في القرآن والسنة ! فهذا جمود قاتل امتد شرره إلى المجالات الحياتية البحتة إذ لا يتورع البعض عن تبديع المخترعات التكنولوجية وأساليب العيش الحديثة.

بالمقابل يبالغ "العقلانيون" في توسيع مجالات عمل العقل وكأنّه هو الأصل حتّى في الأمور الدينية والتصورية وما الوحي إلاّ ملحق أو مساند ثانوي،

وبين تصلب المدرستين كاد المسلمون يضيعون، والحقيقة أن لكل منهما إيجابياته، فالأولى حافظت على قدسية النصوص والثانية بعثت الحياة في العقل المسلم بعد تحجر طويل لكن الغلو فعل فعله بالنسبة لهما معاً ، فالنصوصيون أقرب إلى معاداة العقل جملة وتفصلاً والعقلانيون أقرب إلى تأليه العقل واتخاذ النصوص عجينة طيعة يسوغون بها مذاهبهم الخاصة، في هذا الجو بدأت السعي إلى حل المعادلة......

مجالات عمل العقل:

كيف يجوز الحط من شأن العقل وهو الدليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة الرسالة وبه كان الإنسان مكلّفاً؟ ولكن كيف يجوز إحلاله محل الوحي وهو محدود بطبعه ويحتاج إلى هداية الوحي وضوابطه كي لا يصبح وبالاً على الإنسان؟ إن للعقل مجالات يعمل فيها ليس كند للوحي أو خصم له وإنما كعنصر ملازم ضروري، ويمكن إجمالها في خمسة مجالات:

1. فهم الوحي:

نصوص الشريعة من قرآن وسنة فيها المحكم والمتشابه والواضح والمعضل والعام والخاص والمنطوق والمفهوم والمدلول والعبارة والإشارة... وكل هذا يحتاج إلى إعمال العقل باستمرار وبتعمق لتفادي الظاهرية والحرفية التي إن أحسنت في جانب فإنها تقع في طامات مريعة مثل القول بعدم زكاة عروض التجارة بل وفي الأوراق النقدية، والمسارعة إلى التكفير بمجرد الشبهة في قول أو فعل.

2. فهم الواقع:

وجود القرآن والسنة وحده لا يغنينا كثيرا إذا لم نحسن فهم الواقع لإتقان التنزيل والإسقاط، فالمدارس النصية تحسن العيش في الماضي أو مع النصوص مجردة وتفهم الحاضر بمقياس الزمن الماضي لأنها لا تحسن فهم الواقع بسبب اتهامها للعقل الّذي هو أداتها الفعالة لهذه المهمة، وقد انجرّ عن تهميشه خبش كبير في تناول واقع متداخل القضايا متسارع الأحداث مما جعلنا متخلفين عن القيم وعن العصر معاً.

3. تنزيل النصوص على الواقع:

لا يمكن ممارسة الاجتهاد بشقيه الانتقائي والتطبيقي إلاّ بالاعتماد على فهم صحيح للواقع وللوحي لإحداث التناغم المطلوب بينهما ولإثبات أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان وهنا يكون للعقل حضوره الضروري وسيادته فإذا أقصي جاء الاجتهاد _ من غير أهله _ مشوها وجرّ على الأمة من الويلات ما تعيش بعضها الآن ،كما أن إصلاح الواقع من منظور إسلامي مرهون بالإسقاط السليم لقيم الدين وأحكامه على الحياة بكل جوانبها وإشكالاتها وحيثياتها ، وهذا يحتاج إلى بصيرة وذكاء أي إلى العقل الحصيف، وواضح أن الإلمام بالوحي لا يجدي في التغيير ما لم يصحبه تحكم في معطيات الواقع كما أن محاولة إصلاح الأوضاع بالاعتماد على العقل وحده تؤدي إلى حلول مشوهة كالتي تعانيها الحضارة الغربية.

4. الاجتهاد الاستنباطي:

بالعقل يستنبط الإنسان الأحكام والسنن وأصول العلوم من القرآن والسنة وهذه وظيفة تبقى قائمة مادام في الكون إنسان وإسلام ، وليس صحيحاً كما يقال بأن الأوائل قد حسموا الأمر ولم يتركوا لغيرهم مجالاً للاستنباط، ومن المضحك إسناد حل محدثات الأمور إلى من ماتوا قروناً قبل حدوثها، كما أن الاستنباط لا يقتصر على الأحكام وإنما يجب أن يمتد إلى كثير من العلوم التي نحن عالة فيها على الغرب كعلوم التربية والنفس والاجتماع والتاريخ... فلابد من عقول جبارة لهذه المهمة الجليلة غير المنقطعة.

5. شؤون الحياة الدنيا:

الرسل بعثوا هداة مبشرين ومنذرين ولم يبعثوا مهندسين أو أطباء أو صناعيين لذلك تركت للإنسان حرية البحث والإبداع في المجالات الحياتية في إطار أصول الهداية اعتمادا على الحديث النبوي "أنتم أعلم بأمور دنياكم" – رواه مسلم - أي بما هو أدنى للفنيات أو التقنيات في الإدارة والاقتصاد والتجارة ونحوها، فإذا غاب العقل هنا _ وهذا ميدانه الأول _ كان التخلف والاستقالة من منصب الخلافة والعمارة والتبعية الحتمية والذليلة للأمم النشطة المبدعة.

نهاية أزمة العقل:

يتبين مما سبق أنه لا يمكن تجسيد قيم الوحي في غياب العقل

لذلكوجب السعى الرشيد إلى إقامة الأصالة المعاصرة على العقيدة البناءة والتفوق الفكري الفعال أي الوحي والعقل وهذا يقتضي إعادة تشكيل العقل المسلم من خلال بناء منظومة فكرية إسلامية بديلة توفر العقل القادر على استلهام الأصالة وهضم الحداثة وهي مهمة عظيمة ينوء بحملها علماء مستنيرون ومؤسسات جدية تسعى إلى معالجة أزمتنا الأولى _ الأزمة الفكرية _ بدءًا بالحسم في ثنائية الوحي والعقل حسما شرعيا علميا نهائيا أساسه أن الوحي مصدر الهداية والتوجيه للإنسان والمجتمع والحياة، والعقل أداة الفهم وحسن التلقي ودراسة الطبائع والوقائع لتوليد الحلول والأحكام والسياسات وحسن تنزيلها ، فالرسالة هي الغاية والعقل هو الوسيلة وإذا ضاعت الوسيلة أو فسدت ضاعت الغاية وغاب المقصد...وما أغرب تصوير العقل نقيضا للوحي !!!ذلك أن نقيضه هو الجنون !

عبد العزيز كحيل بتصرف