Tuesday, August 25, 2009

تفكيريات ...






تفكيريات ...


ليس بالضرورة ان يتغير التفكير بالتزامن مع كل تغيّر يحدث فى الواقع المعاش .. والدليل على ذلك هو وجود تقليديين باستمرار بل إن الكثير من الناس يميلون إلى التقليدية والثبات

ولذا فإن الكثيرمن الناس يفوتهم " قطار التفكير" ، بمعنى أنهم يظلون يفكرون بطريقة قديمة فيما تكون الأحوال والظروف قد تغيّرت من حولهم كثيرا وبالتالي يصبح تفكيرهم بعيدا عن الواقع وحركته –

مما يتسبب "بشكل مؤكد" في فشل التفكير وعدم قدرته على نفع صاحبه والآخرين

يصدق هذا الكلام، أي الوصف بالتقليد، على كافة الشرائح الاجتماعية وإن كان في الشرائح غير المتعلمة أمرا متوقعا إلا أنه لا يقل انتشارا في الشرائح المتعلمة خصوصا في عالمنا العربي الذي يعتبر التعليم فيه شعارا أكثر من كونه حقيقة.

لأنه لا يصل بصاحبه إلى الى تلك المرحلة من الوعى التى تمكنه من مراجعة ونقد أفكاره التي يتبناها وحين لا يصل التعليم بصاحبه إلى نقد ذاته و مراجعتها فإنه تعليم فاشل بالتأكيد.

ولذا فإن الكثير من

"النخب"

العربية بكافة أنواعها تعاني من جمود فكري رهيب وتوقف و"بطالة " عن التفكير والإنتاج

من المهم هنا ، أن نؤكد على أن التقليدي المتوقف عمليا عن التفكير، لا يشعر بذلك أبدا، بل يشعر أنه منسجم مع عصره وذلك مرجعه إلى أن قدرته الذهنية عاجزة عن نقد الذات والانكشاف على الواقع والوعي بما يجري فعلا.

ان متابعة التفكير للواقع وضرورة الترافق بينهما لم تكن مسألة ملحّة مثل ما هي عليه في هذا الزمان ، فعلى مدار حقب التاريخ كلها كان الحراك والتطور البشري محدودا وبطيئا جدا، فقد كان الثبات والاستقرار هما القاعدة بينما كان التغيير والتحول شذوذا ويقعان في فترات محدودة من التاريخ....

أما في العصر الحديث فقد أصبح التغيير هو القاعدة والثبات هو الشذوذ.....

ويعود هذا التغيير بشكل كبير إلى ثورة التقنية وما تبعها من ثورة المعلومات والاتصال البشري وتحقق العولمة ووصولها إلى أغلب أفراد العالم.

ومع العولمة تغيرت أشياء كثير تتعلق بالعمق...

من أهم هذه التغيرات تلك المتعلقة بسياسة المعرفة، أي بطرق إنتاج وامتلاك وتداول المعرفة وهذه قضية أساسية.

، ففي السابق كانت المعرفة تنتج وتتداول وفق ما تشاء وترغب السلطة...

إنتاج المعارف سواء كان عن طريق أفراد أو مؤسسات كان تحت السيطرة تماما، أحيانا يخرج أحد المستقلين الثائرين على هذه السلطة ولكنه مع تأثيره القوي يبقى هامشيا عن السياق العام.

كانت المعرفة للخاصة وتتم مراقبة إنتاجها بشدة وحرص، كانت السلطة باستمرار تضم منتجي المعرفة من فلاسفة ومتكلمين وفقهاء وأدباء وشعراء وفنانين وعلماء إلى كنفها وحياضها من أجل إبقائهم دائما تحت عينها لضمان ألا تنتج معرفة إلا تلك التي تقبل بها ومعيار قبولها أن يمكن تسخير هذه المعرفة في خدمتها أو على الأقل ألا تضر بها.

اليوم كل هذا تغيّر، سياسة المعرفة تغيرت ومن الطبيعي أن تتغيّر طرق التفكير تبعا لها

اليوم تتحقق العولمة، كنت شخصيا من المترددين في استخدام هذا الوصف خصوصا حين شهد رواجا شديدا وأصبح متداولا بشكل كبير

ولكن ما أراه أمامي من تحقق للعولمة وتقارب العالم بشكل كبير وانفتاح لم يسبق له مثيل يجعلني أفكر من خلاله بدون تردد

لم يعد اليوم لأي سياق فكري محدد أن يسيطر على المعرفة، لقد أفلتت المعرفة من السلطات التقليدية التي كانت تشرف عليها وتتحكم في إنتاجها وتداولها، اليوم توزعت السلطات كثيرا وتبدلت ومن الأكيد أن السلطة التقليدية هي أكبر الخاسرين لآنها كانت تمسك تماما بالعملية

واصبحت اليوم أحد اللاعبين وربما أقلهم مهارة

في السابق كان التغيير الفكري يتحقق من خلال تغيير في السلطة الممسكة بالمعرفة ولذا نجد أن المفكرين الأوائل ما كانوا يوجهون خطاباتهم للأفراد العاديين، كانوا يوجهونها للسلطة، بتنوع هذه السلطة

فهم يعلمون أن إقناع هذه السلطة كفيل بتغيير السياق الكامل. كان الصراع في السابق ينطلق من منطلق أحادي

أي أن أسيطر أنا أو أنت،

الفكر الغالب هو الذي سيشكل الحياة ويطبعها بطابعه

والمهزوم سينتهي ويندثر

نتذكر هنا مثلا أن الفكر العقلاني في الثقافة الإسلامية قد تم تهميشه والقضاء عليه تحت هذه الظروف وضمن هذه المعادلة اليوم لا يستطيع أي تيار فكري أن يحتكر المعرفة ومنابر التعبير ويمنع غيره من الوصول إلى الناس

هذا أصبح متعذرا اليوم، فالمجال العام مفتوح و أقنية المعرفة ومنافذها أكبر من أن يحتكرها أحد

لقد نقلت العولمة الخيار للفرد بعد أن كان محروما طوال التاريخ

أصبح الفرد اليوم هو صاحب الخيار في أن يتفاعل مع هذا الخطاب أو غيره، وهذا بالتأكيد ما يجعل من الخطابات بأنواعها تراعي نفسها لتحظى بالقبول والاختيار

ومن العبث اليوم لأي مهتم بالتغيير الفكري أو الاجتماعي أن يتصور أنه قادر على أن يتولى وحده هذا التغيير أو أن يحتكره، وبالتالي فعليه أولا أن يتوقف عن محاولاته القضاء على الآخرين المختلفين معه، فليس للقضاء عليهم اليوم من سبيل مهما كانت السلطة التي يمتلكها

ولذا فإن الطبيعي اليوم أن يتم التفكير باعتبارنا جزءا من كل، شركاء لا أوصياء، متنافسين لا محتكرين...

الطرح الفكري في هذا السياق سيتغير وسيتخلى عن الكثير من أوهامه

وستتصدر في هذا الوعي مقولات التسامح والتشارك والاختلاف والتنوع لأنها هي الواقع وما عداها يبقى خاضعا

لشروطها وظروفها

المقولات الفكرية في هذا السياق ستطرح بشكل مختلف.

التدين، العقل، الحرية، العلم...

كلها يجب أن تتغير وفقا للواقع المتغيّر، وبرأيي أن من لم يدرك معنى هذا التغير فإنه سيخسر الكثير

عبد الله المطيرى "بتصرف"