Sunday, December 16, 2007

الحرية الفكرية



الحرية الفكرية
في الإسلام بين القبول والرفض


انّ المستشرقين هم أول من صاغ القناعة السائدة _حالياً _ في الغرب، والتي يرددها ايضاً بعض المثقفون ، والقائلة بوجود علاقة تناقضية بين الالتزام الديني في الإسلام وبين حرية الفكر. ويستدلّون على تأخر العالم الإسلامي، بهذه العلاقة التي انتجت سيادة لون واحد من التفكير وغلبة الرقابة المؤسسيَّة، التي تمثّلها المؤسسة الدينية على الوان النشاط الفكري، والرقابة الذاتية التي يفرضها الفرد المسلم خشية خروجه على الاطار الإسلامي، إذا ما أعطى لعقله حرية الانطلاق في عالم الفكر، وارتياد المجهول والتفكير في اللامُفكَّر فيه.
أننا في بداية الحديث نسجل اعترافنا بأنّ الحرية الفكرية تفتح عوالم جديدة أمام الإنسان والمجتمع، للوصول الى ما يريدان الوصول اليه، وان الابداع رهين بكسر حواجز الاستبداد والصنميّة،

* * *
ولكنّ المشكلة التي تواجهنا هي أننا بحاجة الى تعريف لحدود الحرية الفكرية، وتشخيص لسقفها الأعلى. فليس هناك اتفاق على حدود هذه الحرية في
جميع البيئات الثقافية والدينية، وإنّما أصبح القياس يرتكز دائماً على استحضار حدود الحرية الليبرالية، التي عاشها الغرب وأسهمت في نهوضه. ومن لم يتمكّن من مطابقة وضعه مع أوضاع الغرب فانّه يبقى متخلّفاً أو مُتَّهماً،

وبسبب الحالة الدفاعية التي عاشها الفكر الإسلامي، فانّ الخطاب الاحتجاجي الذي استخدمه الإسلاميون لتأكيد وجود الحرية الفكرية في الإسلام، لجأ الى التذكير بالتاريخ والماضي البعيد، والمقارنة مع الواقع الذي عاشته أوربا في القرون الوسطى، تحت سلطة الكنيسة. ولا نكران فى ما قدّمه الإسلام من نموذج متطور في قرونه الأولى، غير أنّ المشكلة القائمة هي مشكلة الواقع الحالي فتأريخ المسلمين المعاصر والحديث، لايصلح للاحتجاج بوجود الحرية الفكرية، وذلك لسيادة أنواع من القيود المختلفة على حريّة التفكير، مصدرها الفَهم الديني والأعراف الاجتماعية، وبالخصوص القيود السلطوية التي فرضهاالاستبداد منذ قرون طويلة
ومن هنا،
فعلى من يتصدّى لمعالجة قضية الحرية في الإسلام، أن يؤسّس وعياً جديداً في الوسط الاجتماعي، ولا سيما في الاوساط الفكرية والثقافية لتصبح مصدر تنوير، يوضّح أهمية ممارسة هذا الحق الطبيعي والشرعي، وأهمية كسر الأغلال التي تحول دون ذلك. ويستلزم الأمر _أولاً _ تأصيل الحرية مفهومياً وفلسفياً من جديد، وردّ الاتهامات والشبهات وسوء الفهم، لبناء الوعي النظري بها، وثانياً تحديد حدود هذه الحرية، أي التأسيس القانوني لها، وهو الجانب المرتبط بالممارسة العملية.
وقد ساهمت الرموز الفكرية في المعركة في شقّها الأول، وتناولت في العديد من الابحاث المبثوثة والمستقلّة موضوع الحرية في الاسلام، وبضمنها الحرية الفكرية، لكنّ هذه الابحاث اقتصرت على الجانب المفهومي النظري، ولم يتبعها تقنين واضح يحدّد للإنسان المسلم تكليفه.
كما تناولتها البحوث المتأخرة والمهتمّة بتدوين ميثاق اسلامي لحقوق الانسان. وبيان تمايزاته عن الميثاق الذي صاغته العقلية الغربية. وقد أسهم في هذه البحوث أساتذة أجلاّء، الا ان المشكلة ظلت قائمة عمليّاً، فحدود الحرية الفكرية ربما تكون واضحة نظرياً، إلاّ أنّها عملياً غير واضحة وهناك بعض الأمثلة على ذلك، منها أننا لازلنا نعيش مشكلة الحدود النهائية للمغامرة الفكرية والفنيّة والادبية. ولم نتوصّل الى اتفاق حولها، مع التسليم بأنّ القيود التي وضعها الإسلام محدودة ولا تتجاوز نطاقاً ضيّقاً. أي أنّ هناك قيوداً ذهنية واجتماعية، تعمل عمل الكوابح التي تحول دون انطلاق حرية الفكر. ولسنا نطالبُ بحرية غير مسؤولة، وبأدب وفن يتعدّى الذوق الاخلاقي والحدود الشرعية. ولكنّ صرامة الموقف تعكس رؤية فكرية وفلسفية ....، وبالتالي فانّ ردّ الفعل العنيف الذي يظهر أحياناً على شكل اطروحات داخل الصف الإسلامي، يعكس وجهة نظر متشدّدة، ولكنّها صادقة ومخلصة، ومشكلتها أنّها تصدر عن عقلية تفهم الإسلام على طريقتها، بينما يفهمه آخرون بطريقة مغايرة، اننا نُواجَه أحياناً بحالات تتطلب موقفاً حاسماً، يكون البتّ فيه تحديداً لموقف الإسلام من الحرية الفكرية.
إذ هل يستطيع إنسان مسلم ملتزم لا يُشكُّ في نواياه، أن يبحث ويحقّق في قضايا تاريخية، ويعطي فيها رأياً استنتاجياً أو اجتهادياً، دون رقابة إجتماعية أو مؤسساتية مباشرة وغير مباشرة، لمجرد انها تصدم الوعي السائد أو تطيح بقداسة موروثات مقدّسة ومتعارف على قداستها. ودون أن يتّهم بتهم مختلفة _! وهل يمكن لعالم أو مثقف أن يعبّر عن رأي غير متداول ، وله انعكاسات جدّية، وهو مطمئن الى انّه يمارس حقّ التفكير من داخل الدائرة الاسلامية، وله أن يعبر عن رأيه دون أن يساء تفسير ذلك الرأي، أو دون ان تصدر ضدّه ردود فعل حادّة؟ وهل يستطيع باحث مسلم، أن يبدي رأياً اجتماعياً في قضايا اسلامية، قد تحُدث نوعاً من الهزة في السكينة السائدة، دون أن يقال له انّ افكاره تهدم عقيدة عوامّ الناس وتزلزل تديّنهم، ولا يفهم موقفه على انّه اجتهاد في دائرة الاجتهاد المفتوح؟.

قد يقال انّ هذه القيود لا علاقة لها بالاسلام من حيث المبدأ. ولكنّها ترتبط بالواقع الاسلامي من حيث تعقيداته وتقاليده، وتتعلق أساساً بالفهم الديني وليس بجوهر الدين الاسلامي.

هذه الاسئلة تحتاج الى جواب جدّي. فاذا كنّا نقول انّ بداية الحرية الفكرية في الإسلام مفتوحة على مصراعيها _وهي كذلك _ فلماذا تضيق بعض الاوساط الاسلامية بالرأي المغاير داخل الدائرة الاسلامية نفسها، فضلاً عن الرأي الآخر الذي قد لا يلتقي معها أبداً؟ ولماذا يتصاعد الخلاف ويتحول الى تراشق عنيف بالتهم، كما يحصل في واقعنا المعاصر حول الكثير من القضايا التي تنطلق في الساحة الفكرية.
أعتقد أننا مازلنا ندور في حلق التأصيل النظري مأخذوين بالحالة الدفاعية التي تحاول ان تنفي عن الاسلام تهمه تقييد الحريّة الفكرية. فيما الواقع العملي لا يبدّد هذه التهمة. والسبب في ذلك، انظمة الاستبداد التى تعشش فى مجتمعاتنا وبسبب تخلّف الفقه السياسي بالقياس الى فروع الفقه الاخرى . وهذا ناشيء _بدوره _ عن وجود أسباب عديدة

هناك صعوبة في ترسيم حدود الحرية الفكرية ولكنّ التفكير بها جدّياً أمر ملحّ وضروري
و الاسلام لا يمنع أحداً من ابداء القول الذي يعتقد به، ومثلما واجه المسلمون حركات الزنادقة
وانتهى فكر هؤلاء ولم يصمد، فانّ إتاحة المجال امام اى افكار لن يضرّ المسلمين في شيء
.

No comments: