Wednesday, December 5, 2007

التعددية في الإسلام2

التعددية العرقية
نجد أن هناك تعدداً في العروق والأجناس والعناصر، يقول القرآن ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ().
خلقناكم من ذكر وأنثى، أي كلكم أولاد رجل وامرأة: آدم وحواء. ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ﴾: هذا الشعب العربي وهذا الشعب الهندي وهذا الشعب التركي وهذا الشعب الايطالي وهذا الشعب الكندي،.. شعوب وقبائل لتعارفوا، أي لتتفاهموا، لتتعاونوا، لا لتتناكروا ولا لتتصادموا ولا لتتعادوا. هكذا خلق الله البشر عروقاً وأجناساً، كلها تنتهي لأب واحد وأم واحدة وتنتمي لرب واحد هو الذي خلقها وسواها -من أسماء الله وصفاته المذكورة في القرآن: اسم الواسع- ثم هذا ما أقره النبي محمد صلى الله عليه وسلم للألوف المؤلفة من المسلمين في حجة الوداع حينما قال: "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد.. كلكم لآدم وآدم من تراب" ().
إذن فالأجناس كلها متساوية من وجهة نظر الإسلام، ويجب أن يسعى بعضها بعضاً لإقامة المساواة، فلا يحاول جنس أن يطغى على جنس فضلاً عن أن يبيد جنساً آخر
.
* التعددية اللغوية:
التعددية العرقية حقيقة من الحقائق الكبرى في الإسلام، والتعددية اللغوية أو اللسانية هي أيضا، فالله خلق الناس باختلاف ألسنتهم ولغاتهم. القرآن يقول ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ ()، هذا يتكلم بالعربية وهذا يتكلم بالفارسية وهذا يتكلم بالهندية، وهذا يتكلم بالعبرية … لا بل قد تختلف اللغة الواحدة فتنقسم بدورها إلى عدة لهجات. يتكلم الناس بلغاتهم، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ ()، حتى الرسالة العالمية رسالة الإسلام ورسالة القرآن ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (12)، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ ()، جاءت بلسان عربي مبين، فكيف يقع تبليغها في ما بعد إلى العالم؟ بالترجمة: أي تترجم إلى لغات يستعملها الآخرون حتى يعرفوها، فحوار الحضارات والثقافات والتفاعل في ما بينها يمكن الإنسان من تعلم لغة غيره وتعليم غيره لغته، ومن ثم لابد أن نعترف بأن هناك لغات شتى وألسنة مختلفة يتحدث الناس بها ويتخاطبون ويتفاعلون من خلالها
.
* التعددية الثقافية:
بما أن التنوع ظاهرة كونية، فهو يشمل مختلف جوانب الحياة: الإنساني والحيواني والطبيعي الجغرافي. ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْـزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ. وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (). يتبين من خلال هذه الآية القرآنية أن الإنسان كلما كان واعيا بحقيقة الاختلاف، باحثا في الكون مكتشفا لأسراره، كلما اتسعت دائرة علمه ومعارفه. والعلماء هم الأكثر تأهيلا، لا لخشية الله فحسب، بل وأيضا لمعرفة واكتشاف حقائق الكون وتنوعه، فهم يعرفون بأبحاثهم ومعاينتهم وتجاربهم واكتشافاتهم وخشيتهم لخالقهم أيضا اختلاف الألوان. والتنوع يعبر عنه القرآن باختلاف الألوان، أي اختلاف الأنواع والأصناف. ثم من شأن هذا الاختلاف الطبيعي الجغرافي والحيواني والإنساني أن يثري الحياة الإنسانية على كل أصعدة مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. بهذا، ومع إقراره بالتعددية العرقية واللسانية واللغوية، يعترف المنظور الإسلامي كذلك بالتعددية الثقافية. ما دام الناس يتعددون في أعراقهم ولغاتهم وألسنتهم ويتعاملون ويتفاعلون بأساليب مختلفة مع كائنات متعددة الألوان فلابد أن يتعددوا في ثقافاتهم، والمراد بالناحية الثقافية ما يتصل بالحياة ومفاهيمها ونظمها وتقاليدها ومعارفها وتقنياتها وعادات الناس فيها. فالناس يختلفون في أمور شتى: في ملابسهم ومآكلهم ومشاربهم ومساكنهم... لكل جماعة إنسانية طريقة- وربما طرائق- اتخذتها ومنهج اتبعته في تفاعلها مع محيطها وبيئتها، ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ ()، ولذلك قدر الإسلام هذه الاختلافات في ثقافات الناس، ووسع هؤلاء جميعاً. فالناس أحرار في ثقافاتهم وتقاليدهم وأعرافهم وعاداتهم. ويرى البعض أن الحضارة الإسلامية مثلا، شاركت فيها أنواع عديدة من العناصر والأجناس والأديان المختلفة، وساهمت في إثرائها ثقافات متعددة، فكل بثقافته شارك في تشييدها وازدهارها وكل ترك له بصمة في ناحية من النواحي الحياتية فيها. هذا التعدد في الإسهامات الثقافية من شأنه أن يغني حضارة ما من الحضارات ويعززها وينميها، وعلى النقيض من ذلك، الحضارة التي تقوم على لون واحد أو شكل واحد أو صورة واحدة فهذه تعد حضارة فقيرة.. الحضارة الغنية هي التي تأخذ وتستفيد من الجميع وتقتبس من الكل. هذا ما يعبر عنه بالتنوع أو التعدد الثقافي الثري. * التعددية الدينية: مع التعددية العرقية واللسانية اللغوية والثقافية عموما، نجد أن هناك في الإسلام تعددية دينية، هذه التعددية الدينية مرتبطة بالتعددية الثقافية -التعدد الثقافي ينجم عنه تعدد ديني- ما دام الناس يتعددون ثقافيا فلابد أن يتعددوا دينياً. خلق الله الناس مختلفين، خلق لكل منهم عقلاً يفكر به، ومنحه إرادة يرجّح بها، ومنحه ملكات وقوى ومواهب مختلفة على أساسها يختار الناس لأنفسهم ما يريدونه. لو شاء الله أن يجعل الناس كلهم مؤمنين به لفطرهم على التوحيد والإيمان كما فطر الملائكة، ولكن الله خلق من خلقه خلقاً مفطورين على عبادته ﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ ()، ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ﴾ ()، هؤلاء هم الملائكة، وخلق من خلقه نوعاً ميزه بالإرادة وبالاختيار، هو الذي يقرر مصيره بنفسه ولنفسه ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ ()، ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ ()، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ ()، ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ ()، أعطاه المشيئة والإرادة والاختيار والقدرة ليقرر مصيره ويسلك طريقه، هذا النوع هو الإنسان. لم يشأ الله أن يجبره على دين واحد ولا على الإيمان به، بل ترك له الحرية قي هذه القضية، وأعطاه الأدوات التي يفكر بها وبعث له الرسل وأنزل له الكتب لتعاونه وتساعده على اختيار الطريق الذي يريده أن يسلكه، ولكن ترك له الخيرة. هكذا خلق الله ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ ()، (لذلك) أي وللاختلاف خلقهم، لأنه خلقهم متغايرين في الفكر والإرادة فلابد أن يتغايروا في الدين الذي يختارونه، ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ()، لا يكره الناس على دين ما أو على عقيدة معينة. نوح عليه السلام، على سبيل الذكر لا الحصر، قال لقومه ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾
()،
أنلزمكم بالهداية ؟ لا بل أنتم أحرار في هذا المجال.

No comments: