Wednesday, December 5, 2007

التعددية في الإسلام





مقدمة




تهدف هذه الورقة إلى تقديم معالم رؤيتى بخصوص موضوع التعددية كمبدأ عام وأساسي للحياة الإنسانية، من خلال رسم بعض صور تجلياتها التي تدلل وتؤكد على أنها ضرورية للاجتماع البشري وللتعايش السلمي. ونعتمد في ذلك أساسا على النص القرآني في عرض وتحليل هذه الفكرة.


فالتركيز هنا ينصرف في المقام الأول إلى التعدد الديني والثقافي باعتبار أن غيابهما أو غياب أحدهما يعد سببا من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تنامي التطرف الديني والصراع الحضاري. وبالتعبير السوسيولوجي، تطمح هذه الورقة إلى تسليط الضوء على طبيعة التفاعل الحضاري والثقافي الذي ينبغي أن يسود بين الشعوب والمجتمعات من وجهة نظر قرآنية على الخصوص. هناك إجماع في أدبيات العلوم الإنسانية المعاصرة -وفي غيرها من العلوم - على أن الاختلاف يعد من أبرز سمات الوجود الإنساني ومن أوكد ضرورات الاجتماع البشري، بل والطبيعي أيضا، فالاختلاف سنة من السنن الكونية: هذا الكون الرحب الفسيح بهذا الاختلاف يفضي إلى التنوع والتناغم والتناسق، ويُذْهِبُ الرتابةَ والفتور. وهذا من شأنه أن يجعل للحياة طعما ومذاقا خاصا، فالاختلاف والتنوع يثريان الحياة، ويكسبان المرء خبرة حيث حل وحيثما ارتحل، فلو أن الناس جميعا خلقوا وجبلوا على صورة واحدة، والأماكن كلها كانت على صورة واحدة من حيث طبيعة المكان والمناخ وغير ذلك، ما احتاج الإنسان أن ينتقل من مكانه الذي ولد فيه، ولسئم العيش من أول سنوات إدراكه لمعنى الحياة لأنه لا يجد جديدا. ويرى البعض أن أهمية الاختلاف لا تتأتى فقط من كون التنوع هو أصل الاجتماع البشري، بل لأنه أيضا مما تدعو إليه الفطرة وتقتضي به الطبيعة. وما الاختلاف في واقع الأمر إلا ظاهرة من ظواهر الوجود أودعت في الكائنات عموما وفي الإنسان خصوصا. فمن وجهة نظر الإسلام، لولا سنة الاختلاف التي هي سبب من أسباب الخلق، لاستحالت الحياة. وفي غياب الاختلاف لا يمكن أن يكون الإنسان، من المنظور الإسلامي، ذلك المخلوق الذي سوّاه الإله ونفخ فيه من روحه، ثم منحه العقل، وعلّمه البيان، وفضله على كثير من المخلوقات، واستخلفه في الأرض، وسخّر له ما في الكون جميعا، ثم هيّأ له مبادئ الروابط السامية التي تمكنه من الترفع عن كل تسفل، وتدعوه إلى التعاون مع نظيره في الخلق، في عمارة الكون وتدبير المصالح وتبادل المنافع. ويمتن الله على عباده من خلال آيات الكتاب المقدس للمسلمين )القرآن(، أن جعل من آياته تعاقب الليل والنهار حتى لا يشعر الإنسان بالملل، ويتسنى له أن يجعل لكل وقت ما يناسبه من الأعمال:


﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ



انطلاقا من النص القرآني الذي يحفل بالآيات التي وردت فيها لفظة (الاختلاف) () يمكن القول بأن التصور الإسلامي للوجود يقوم على فكرتين أساسيتين - الفكرة الأولى: هي وحدانية الخالق، - والفكرة الثانية: هي تعددية الخلق

واختلاف المخلوق. وعلى هذين الأساسين بنى الإسلام تصوره وعقيدته وفكرته عن هذا الوجود. فبالنسبة للمسلمين فإن الله وحده هو الواحد، وكل ما بعده متعدد: هو واحد في ذاته وواحد في صفاته وواحد في أفعاله، هو الخالق وحده والمحيي والمميت وحده وهو المعبود وحده، لا يستحق العبادة غيره ولا الاستعانة بمن سواه، ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ()، ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ ). وعلى هذا كان التوحيد في الإسلام بمثابة جوهر هذا الدين وأساسه المتين. فالتوحيد إذن هو روح الوجود الإسلامي ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ()، وهذه كانت دعوة الأنبياء والمرسلين جميعاً، كل الرسل دعوا قومهم كما جاء في معرض آيات القرآن إلى التوحيد: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ ()، والطاغوت كل ما يعبد ويعظم ويطاع طاعة مطلقة من دون الله سواء كان من البشر أم من غير البشر. فالهدف من بعثة الأنبياء هو تحرير البشرية من عبادة غير الله، من عبادة الأشياء أو عبادة الذوات أو عبادة الأشخاص أو عبادة الأفلاك أو عبادة الحيوان أو عبادة الإنسان أو عبادة الهوى والذات. تحرير البشر من العبودية لغير الله كان رسالة الأنبياء جميعاً التي تركزت وتجسدت في الدين الخاتم الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم ليحرر الناس من عبادة الطواغيت حتى يعيشوا أحراراً متساوين فلا يمكن للناس أن ينعموا بظلال الحرية وبنسيمها إذا كان بعضهم يعبد بعضاً أو يذل بعضهم لبعض. هذه هي الفكرة الأولى التي نستخلصها من قراءتنا لبعض آيات القران. أما الفكرة الثانية فهي التعددية في الخلق، التعددية العرقية والتعددية اللسانية والتعددية الدينية، والتعددية الثقافية، كل هذه التعدديات شرعها الإسلام. المسلم ليس وحده في هذا الوجود، هناك آخرون يشاركونه في الحياة. إذن فثمة تعدد في الخلق



.

No comments: