Sunday, February 28, 2010

امرأة زكاها القرآن












مع خصال امرأة زكاها القرآن

كثيرا ما يبقى تنادي المسلمين بالرجوع إلى القرآن والسنة مجرّد شعار عاطفي بعيد عن التجسيد،ولعلّ موضوع المرأة أدلّ تعبير على هذه الملاحظة،إذ لم يمنعنا الشعار المرفوع من التشبّث بالعادات الأسرية الدخيلة وتحكيم التقاليد الاجتماعية الخانقة في التعامل مع المرأة المسلمة ونسبة تلك العادات والتقاليد إلى الدين الحنيف،ولو كان الرجوع إلى القرآن والسنة فعليا وصادقا لأحالنا على أنماط وأنساق في غاية الرفعة والجمال والتحضّر،والمتأمّل في قصّة سبإ الواردة في سورة النمل- على سبيل المثال- يقف على عبر ودروس بليغة لم ترد جزافا وإنما هي معالم تربوية وإيحاءات معبّرة تدلّ على ما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة، ونقتطف من هذه الدروس والعبر خصالا حميدة اتصفت بها الملكة :

1-

صرّحت الآيات الكريمة بأنه كان لسبإ- وعلى رأس البلد امرأة- حضارة قويّة متكاملة وراقية(لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال)،فترؤس المرأة لم يجلب للقوم الدمار كما يتصوّر أصحاب الفهم الظاهري السطحي لحديث(لا يفلح قوم ولوّا أمرهم امرأة) ،بل بلغت بهم درجة من التمكين المادي بهرت الملاحظ الأجنبي المتمثّل في الهدهد.

2-

كان القوم كلّهم على الشرك يعبدون الكواكب(وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله)،لكن المرأة العظيمة سرعان ما تقود قومها إلى الإيمان كما سيأتي،فهي إذا مفتاح للخير مغلاق للشرّ حلافا لما تصوّره العقائد المتأثّرة بالتوراة المحرّفة والإنجيل المزوّر.

3-

إن الملكة المتربّعة على تلك الحضارة الرائعة لم تكن مستبّدة مثل الحكّام الذين يرفعون الشورى شعارا ولا يعرفون سوى الرأي الأحادي في الممارسة،فلمّا بلغتها رسالة سليمان عليه السلام وفيها دعوة إلى الإسلام وتهديد لنظام الشرك ، جمعت أهل الحلّ

والعقد وعرضت عليهم الأمر(يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون) ، ويبدو من السياق أن هذا دأبها، لا تفصل في القضايا المصيرية برأيها وإنما تعمد إلى الأسلوب الشوري أو الديمقراطي،فما أروعه من درس تعطيه أنثى لأولئك الذكور الذين ينفردون بإصدار القرارات في الأزمات الخطيرة ولسان حالهم يردّد المقولة الفرعونية:(وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).

4-

رغم أن مجلس الشورى اتّخذ موقفا مبدئيا صلبا يعتمد على ما للدولة من قوة عددية ومادية وعسكرية أوكل استعمالها للملكة:(نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) ،فإنها لم يأخذها الغرور وتصرّفت بقوة المنطق لا بمنطق القوة وأرجأت اللجوء إلى الخيار العسكري إلى حين اشتنفاد خيارات الحكمة والتعقّل،في حين نرى الحكّام المتمتّعين بشيء من أسباب القوة لا يكادون يفكّرون إلا في استعمالها كإجراء وحيد لمواجهة أي احتمال خطر داخلي أو خارجي ولو كان وهميا،وهذا يدلّ على رجاحة عقل الملكة وتوفّرها على شروط الرئاسة الراشدة.

5-

نلاحظ في قولها(إنّ الملوك إذا دخلوا على قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلّة) معرفة بالسنن الاجتماعية وقوانين الغلبة وردّ الفعل،فهي تفترض في سليمان-إن كان على شاكلة الملوك الظلمة و حدث أن هزم قومها في المواجهة العسكرية-أن يفسد البلاد واقتصادها وعمرانها ويصبّ ألوان الظلم والتعسّف على المواطنين المهزومين.

6-

ولعلّ أروع ما يتراءى في خصال الملكة ذكاؤها وحنكتها،فبدل أن تسارع إلى المواجهة اختارت أسلوب الملاينة حتى تتأكّد من دعوى سليمان أنه نبي يدعو إلى دين التوحيد،فراحت تمتحنه باختبار لا يفوز فيه عامة الحكّام:امتحان المال:(وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بما يرجع المرسلون)،إنها تعلم أن الناس عامة و الملوك بصفة خاصة يسيل لعابهم للذهب والفضّة ولا يصبرون على فتنتهما،فإذا أقبل سليمان على الهدايا يستزيد منها علمت أنه مجرد واحد من أولئك الحكّام الدنيويين،أمّا إذا آثر دعوته على الثروة فيكون شأنه شيئا آخر،ونجح كيدها وخبرت من خلاله حقيقة الرجل وصدقه.

7-

وتتجلى رجاحة عقل الملكة مرة ثانية حين تدخل قصر سليمان عليه السلام وترى كرسيا أشبه بكرسيها الملكي الفريد ، ويسألها مضيّفها:(أهكذا عرشك)؟فلم تغامر بالجزم بأنّه هو بعينه لأنها تركته خلفها في اليمن وهو هنا أمامها في فلسطين أي مسيرة أسابيع أو شهور،فكيف يمكن أن يسبقها من اليمن إلى فلسطين؟فنراها تخفي تعجّبها-وقد تأكّدت في قرارة النفس أن العرش عرشها- في عبارة ذكية فيها تحفّظ إيجابي:(قالت كأنه هو)،وتلك فطانة تستحقّ التنويه.

8-

وأخيرا فإنّ هذه المرأة بخصائصها القيادية المتميزة أنقذت نفسها وشعبها من مهالك الشرك وسارعت إلى إعلان إسلامها بمجرد أن تيقّنت بنبوة سليمان:(قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين)،وبما أن وجهاء سبإ وقادة الرأي فيها أظهروا ثقتهم وولاءهم لها في وقت الخطر الداهم فلا شكّ أنهم أقرب إلى الاقتناع بدينها الجديد وأميل إلى الاستماع إلى حجّتها والاقتداء بها،وبإسلام الرؤوس يسلم باقي الشعب أو أغلبيته على الأقلّ،فهذه الهدية التي لا تقدّر بثمن- هدية الإيمان بالله تعالى- إنما ساقها الله إلى أولئك الناس على يدي امرأة أوّلا وحاكمة ثانيا.

إن ملكة سبإ نموذج يجدر بالمسلمات أن يقتدين به،ويجمل بالمسلمين أن يتدبّروه،فهو-إلى جانب نماذج أخرى- حريّ بأن يصحّح المفاهيم المتعلّقة بالمرأة

قال احد الشيوخ الموصوفين بالتشدد

أنّ امرأة عاقلة أفضل من رجل متسلّط.


عبد العزيز كحيل

18 comments:

ماجد العياطي said...

القرءان ملئ بالعبر والعظات

وما اجمل هذه الملاحظات القيمه

والله كلنا نقرأ سورة سبأ ولكن سبحان الله

اللهم اكتبها في ميزان حسنات من كتبها

ومن نشرها

ومن نسقها

وافدنا جميعا بها

جزاكم الله خيرا اخي العزيز

وفقك الله

Tears said...

بصراحة مش قادرة اعلق لان عندى باين اول السطور كلها الكلام ناقص فيها او فيه حروف مختفية بس بحاول افهمه

Anonymous said...

مقالات حضرتك جميله اوي

بس برضو اضطريت اقراها من صفحه التعليقات :)

القرآن مليء بنساءتستحق تكون مثال لينا

والعدل لا يحتاج لرجل او امرأه... العدل يحتاج نفس نقيه

تحياتي

Tears said...

شكرا على توضيح خط التدوينة

و شكرا على عقلك المستنير المحترم عشان تعبنا من العقول المنتشرة حوالينا

على فكرة الرسول اوصى بعدم كتابه الاحاديث عشان كان عارف انها ح تحرف و ده فعلا حصل و اصبحوا بيعبدوها و بخلوا ليها اولوية عن القرآن

شكرا لعقلك

البنفسج الحزين said...

مقال جميل بحق ...
أشكرك جدا علي نقله الينا لنتعلم منه...
فعلا بلقيس كانت امراة ذكيه وقائدة حكيمه...
بس انا رأيي الشخصي ان مش كل المجالات لازم الست تقحم نفسها فيها بدعوي حقوق المرأة والمساواة بالرجل ...

بحر الالوان said...

لا شك ان معيار التفضيل بين البشر هي التقوي ومكارم الاخلاق لقول المصطفي صلي الله عليه وسلم :

انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق

ومصداقا لقول الله تعالي :

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
سورة الحجرات الآية )

مقال رائع ...نشكرك علي الجهد الطيب والافادة

تحياتي

sal said...

تييرز

الشكر لك انك نبهتينى لرداءة الخط

وشكرا لكلماتك الطيبة
تحياتى

sal said...

الصديق ماجد

يسعدنى مرورك
واشعر بالسعادة اكثر عندما
يكون قبولكم الحسن لما احاول ان اضيفه فى نطاق اللا اكراه

تحياتى

sal said...

فتاة الصعيد

اشكر لك حسن تواصلك رغم رداءة الخط فى البداية

واعجبتنى عبارتك

العدل لا يحتاج لرجل او امرأه... العدل يحتاج نفس نقيه

تحياتى

sal said...

البنفسج

اسعدنى مرورك

اما بخصوص ما ذكرت
"انا رأيي الشخصي ان مش كل المجالات لازم الست تقحم نفسها فيها بدعوي حقوق المرأة والمساواة بالرجل
" ...

انا شايف اننا نعطيها حرية الاختيار
وهى اللى تقرر تقحم نفسها فى ايه
طبعا بناء على ما تراه مناسبا لها

وتملك ادوات وكفاءة ما اختارت

انا ضد الوصاية على اى انسان رجل كان او امراة
تقبلى تحيتى وتقديرى

sal said...

صديقى بحر

شكرا اخى على التعليق
وفعلا المعيار هو التقوى

تحياتى وتقديرى

صفــــاء said...

أقتباس رااائع
واختيار شديد التوفيق منك

يا عزيزى معامله المرأه الأن وفيما قبل
لا هى من الأسلام ولا أى دين
والله حين خلق ... جعل الأثنين خلق واحد وأختلاف جنس فقط
لم يفضل احدهم على الأخر ولم يرفع منزله نوع ويقلل من الأخر وأرجع الفضل فقط للقوامه وهى هنا أمر يطول شرحه ويختلف عما يسكبوة فى أذاننا من تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان

موضوع اكثر من رائع حقيقه
تحياتى لك

sal said...

صفاء

ما سطرتيه هو ما دفعنى
لهذه التدوينه

تحياتى

خواطر شابة said...

قصص القرأن بالمجمل مليئة بالعبر والحكم مصداقا لقوله تعالى في كتابه الحكيم " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ"
ملكة سبأ فعلا من النماذج المشرفة التي ينبغي استيعابها واخذ العبرة منها.
تعرف ان الفهم الصحيح للدين لايمكن ابدا ان يؤدي لتحقير المرأة او تهميشها لانه ليس هذا ما يدعو اليه وما نراه من بعض الغلاة هو فهم خاطئ للدين وتشدد في غير موضعه
تحياتي لك

sal said...

شكرا خواطر
على مرورك الكريم وعلى تعليقك
الطيب اتمنى لك كل الخير

تحياتى

bastokka طهقانة said...

فعلا لقد كان لنا فيها اية

ملكة سبإ نفتقد مثلها اليوم فبعض حكامنا العرب لم يصل لما وصلت ايه من تعقل

sal said...

شكرا طهقانة لمرورك الكريم
وصدقت حين قلت
ملكة سبإ نفتقد مثلها اليوم فبعض حكامنا العرب لم يصل لما وصلت ايه من تعقل


تحياتى وتقديرى

sal said...
This comment has been removed by the author.