Tuesday, February 2, 2010

وطن ،،و،، مواطن









يظن الكثيرون أن الوطن يرتبط بالحيز المكاني الذي ترسمه حدود الدولة، بينما الوطن في حقيقة الأمر له علاقة أكثر أهمية بالاوضاع العامة لمن يعيشون فوق أرض الدولة
بداهة سوف نجد أن المواطن في زمن الدولة القوية مثلا يكون أكثر انتماءً وفخراً ويتخلل إحساس المواطنة خلاياه النفسية والمعنوية حتي النخاع، وليس من الضروري- حتي لا تختلط المفاهيم- أن تكون الدولة القوية عظمي، أو حتي في مرتبة الدول الأقرب للعظمي، فسنغافورة وكوبا وتركيا وفنزويلا- علي سبيل المثال لا الحصر- ليست دولاً عظمي، ولا هي علي وشك أن تصبح هكذا، فما السبب في هذه الدول؟ التي تجعل من مواطنها فرداً يتملكه
إحساس المواطنة بجدارة واستحقاق

إنها الإرادة السياسية لحكومات هذه الدول، ولا تتوفر هذه الإرادة لأن أعضاء هذه الحكومات أو رؤساءها ليس منهم من يمتلك كاريزما طاغية "كما يروج البعض" كالتي كان يمتلكها هتلر، ولا هم أبطال خارقون في رياضات المنازلات العنيفة مثلا ، ولا هم مبدعون حالمون في الآداب والفنون مثلما كان الرئيس التشيكي الأسبق هافيل


عظمة حكومات الدول القوية لها أسبابها، حيث لا تلعب الملكات والنزوعات الفردية سوي مساحة هامشية في إدارة شئون الحكم وعلاقات الدولة الخارجية، فهذه الحكومات مقيدة لاستمرارها في الحكم بشروط موضوعية، لا يجرؤ أحد في السلطة علي العبث بها، هي إذن قواعد- تلزم الحاكم والمحكوم- لا يتسرب إلي خرسانتها زيف وأكاذيب، كتلك المواثيق والدساتير الشكلية التي لا تزيد قيمتها لدي الحكومات الفاسدة عندنا علي وزن الورق الذي كتبت عليه.

قبل التطرق لهذه القواعد من الأجدي قراءة أداء الدول الأربعة المذكورة سلفاً، وهي دول مختلفة في توجهاتها السياسية، وأبنيتها الاجتماعية، وإمكانياتها المادية حتى لا نسقط
فى التصنيف والميول الشخصية

نبدأها بسنغافورة التي تخلت ماليزيا عن الاتحاد معها في الستينيات من القرن الماضي، نظراً لأنها جزيرة جدباء، بلا مواد خام، أو كوادر بشرية مؤهلة للتنمية ولا حتي صناعات بدائية، وقتها خرج «لي كوان يو» أبو سنغافورة الحديثة يبكي في التليفزيون للوضع المأساوي لبلاده، كانت هذه آخر دموع تسيل في سنغافورة، انهمرت بعدها شلالات من العرق لشعب يكدح. في دولة كان القانون والنظام فيها سيفاً باتراً، بلا تفرقة بين المواطنين، مهما صغر شأن المواطن أو كبر، بلا تمييز بين من هو في السلطة ومن هو خارجها، وبين من يملك الثروة أو لا يملك، لهذا احتلت هذه الدولة الصغيرة مكانة متقدمة جداً في التقرير العالمي للتنمية والشفافية، وأصبح بالتالي دخل المواطن فيها من أعلي الدخول في العالم، وصار ازدهارها الاقتصادي مضرباً للأمثال، حيث يمتلك 85% من السكان البيت الذي يقطنون به. أما كوبا التي تعرضت للحصار الأمريكي المتعسف طوال نصف قرن فلم ترضخ للإرادة الأمريكية، سواء كان لها سند في وجود الاتحاد السوفيتي السابق أو عندما افتقدته مع انهيار منظومته، وصمدت منفردة بجدارة، ورغم "شمولية" النظام الحاكم فإنه لا يمكن إنكار إنجازاته مقارنة مثلاً بشمولية الأنظمة القبيحة عندنا وفي وسط آسيا وأفريقيا التي أورثت شعوبها الجهل والفقر والمرض. لقد ذهب المخرج والمثقف الأمريكي الشهير «مايكل مور» في فيلمه الأخير بمجموعة من رجال الإطفاء الأمريكيين الذين تخلت عنهم مظلة التأمين الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد إصابتهم بأمراض مزمنة نتيجة جهودهم في عمليات الإنقاذ

حيث قامت هافانا بتقديم مستوي علاج صحي متفوق للغاية أنقذهم، كانت مفارقة لافتة أظهرت حقيقة مشهوداً بها من منظمة الصحة العالمية، وهي أن كوبا تصنف كواحد من أرقي بلدان العالم في نظام التأمين الصحي المجاني لمواطنيها، يبقي أن نعرف نظام التعليم في هذه الدولة الصغيرة فائق الجودة، ومجاني أيضاً لجميع المواطنين وأنها تخلصت من عار الأمية، وإذا كانت الرياضة هي أحد المعايير التي يقاس بها تقدم الدول فإن كوبا تحتل دائماً ترتيباً رفيعاً في الجداول النهائية للدورات الأوليمبية، في مزاحمة واضحة للدول الكبري التي تمتلك إمكانات هائلة في مجال الرياضة

تركيا التي مرت بمسلسل فساد سياسي نجحت القوي ذات التوجه الإسلامي فيها في الوصول إلي سدة الحكم، عن طريق صندوق الانتخابات الذي لا يجرؤ أحد علي العبث بمحتوياته، حتي لو كانت المؤسسة العسكرية ذات السطوة الطاغية، الأهم أن الإسلاميين في تركيا هم سياسيون يعملون في الإطار السياسي والقانوني للدولة، احتراماً للدولة المدنية وقبولاً بقواعد الديمقراطية التي تعني القبول بتداول السلطة وأنه لا حكم مطلقاً باسم الحق الإلهي، في ظل الدعاوي الدينية التي تسللت للفكر الإسلامي المعاصر، ونجح هؤلاء الإسلاميون الديمقراطيون في مواجهة الفساد، والقفز باقتصاد الدولة قفزات هائلة، أعادت لتركيا اعتبارها ومكانتها كقوة إقليمية، ومع استعادة الهيبة رفضت الحكومة التركية استخدام أجوائها ضد العراق في حرب الخليج الثانية، وأخيراً الموقف الصارم ضد إسرائيل المدللة من الغرب حيث أذعنت تل أبيب صاغرة بإرسال اعتذار رسمي مكتوب إلي أنقرة استجابة للمطلب التركي، بعد تعرض سفيرها للإهانة من الخارجية الإسرائيلية.ولا يفوتنا موقفها من العدوان على غزة والعرب يتفرجون

في فنزويلا أفرزت الديمقراطية حكماً ذا توجه اشتراكي، لم يعجب الإدارة الأمريكية هذا التوجه الجديد الذي يضر بمصالحها، فتواطأت مع مجموعة العسكر والعملاء للإطاحة بـ«هوجو تشافيز» وفي أقل من 48 ساعة أعادته الجماهير الغاضبة التي احتشدت احتشاداً رهيباً إلي مقعد الرئاسة، ونجحت الجماهير في هذا لسببين: الأول أنها هي التي أتت به ولا يحق لأحد غيرها خلعه، والثاني أن الجموع الغفيرة من الجوعي الذين كانوا لا يجدون كسرة خبز في كثير من أيام السنة أصبحت تصل إليهم وجبات ساخنة يومياً، حتي في أطراف الدولة النائية، والفضل في هذا لحكومة تشافيز التي انتخبوها انتخابا حرا باعتراف الغرب كله، هذا الرجل الذي استمد قوته من شعبه وقف ليعلن في خطاب مذاع علي الهواء أن علي السفير الأمريكي أن يغادر فنزويلا خلال 72 ساعة، دون خوف من أقوي دولة في العالم. ما كل هذا التمكن والكبرياء في هذه الدول الصغيرة القوية؟ وما سر النجاح العظيم لحكوماتها في تحقيق النهضة؟ إنها قواعد الحكم الرشيد الذي يستمد قوته من إرادة الناس والسهر علي مصالحهم، ويمكن تلخيص هذه القواعد في الآتي
1-
حترام إرادة الناخبين ولا عبث مطلقاً بصناديق الاقتراع
2-
تأمين الاحتياجات الأساسية للناس
3-
الاستحقاق في العمل السياسي أو الحكومي للجدارة فقط
4-
احترام سيادة القانون
5-
الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي وتدريب الكوادر

هذه القيم الخمس هي قواعد الإرادة السياسية القادرة علي إنجاز التقدم وتحقيق النهضة، فهي التي تشعل روح المواطنة لدي المواطنين دون الحاجة إلي شعارات جوفاء وملصقات وإعلانات متكررة تدعو إلي حب الوطن الذي يئن من إهدار القيم التي يجب أن تسود

14 comments:

sal said...

خواطرشابة
تييرز
أأسف لاعادتى تحديث هذه التدوينة
حتى تكون فى مقدمة التدوينات
فكنت قد وضعتها فى "درافت" حتى يحين وقتها وعندما اظلقت سراحها تم وضعها متأخرة حسب التاريخ الذى دونتها به
ولم انتبه واعتقدت ان الجوجل زعلانين منى لا سمح الله
الى ان اكتشفت الموضوع فاعد ارسالها
وخسرت تعليقاتكم الكريمة اكرر اسفى ولكم تحياتى

Anonymous said...

اتفق مع حضرتك تماما

اعتقد ان العدل وسياده القانون اهم ما يميز الدول امتحضره ... بل ويدفع تجاه التقدم باستمرار

اما الظلم فيفقد الشخص انتماؤه لوطنه ... فكيف ينتمي لوطن تهدر فيه كرامته ويسلب فيه حقه

تحياتي

sal said...

فتاة الصعيد
يبدو اننا سنتنازل مستقبلا على المطالبة ب العدل وسيادة القانون

ونطالب بلقمة عيش تسد جوعنا
هذ ما اخاف منه
ههههه
تحياتى

صفــــاء said...

هو انا موافقه معاك على كثير مما ذكرت
سنغافورة بلغ دخلها القومى وهى الجزيرة الصغيرة قليله التعداد حاجز تخطى دوله زى مصر
وفعلا الخدمات فى كوبا هى الأفضل
لكن مستوى معيشه المواطن نفسه فيها ضعيف جدا ومراكب الهجرة على شواطئ فلوريدا تقول الكثير

بصراحه مش عارفه فشلنا ... وهو فعلا فشل
اسمح لى اقول يعنى ... ان اللى احنا فيه دة فشل صريح بس مش عارفه سببه ادارة سيئه أم شعب متراخ

sal said...
This comment has been removed by the author.
sal said...

المحترمة صفاء
معك حق ...ولكن ياترى السبب ايه
انا رأى ان محاولة تفسير اى ظاهرة من الصعب ان نحصر الامر فى سبب او اثنين
الواقع اكثر تعقيدا ...يمكن السببين مع بعض
ما اسميته سوء ادارة اسميه انا وغيرى "غياب الحكم الرشيد"
وهو ايه ده
؟؟؟

حاجات كثير
"""""""""
واسباب غياب الحكم الرشيد
كثير
بعضها بسبب وجود انظمة حكم استبدادية وبعضها شعوب مقهورة متراخية
احييك

اقصوصه said...

اذا القينا نظره مقربه اليهم

واذا القينا نظره مقربه اليهم

اكيد سنرى فروقا شاسعه

لكن فعلا يمكن السؤال هنا

كيف وصلوا هم الى ما هم عليه

وكيف وصلنا نحن الى هنا؟

البنفسج الحزين said...

احترام إرادة الناخبين
تأمين الاحتياجات الأساسية للناس
الاستحقاق في العمل السياسي أو الحكومي للجدارة فقط
احترام سيادة القانون
الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي

الله ينور عليك وبماان ولا واحده من
.... الخمس حاجات دول متوفرة عندنا في مصرفاحب ابشرك اننا كدوله مش هتقوم لنا قومه قبل تلات اربع عقود من الزمان يعني يا رب أحفاد أحفاد أحفادنا يلحقوا يعيشوا في دوله بتحترم ادميتهم والعالم كله يعملهم حساب

sal said...

اقصوصة
ارحب بتواجدك بعد غياب
ما ذكرتيه صحيح وهو ما احاول ان اتبينه واراه وهذه محاولاتى
فهل نطمح فى ان تحاولى معنا
فى محاولاتنا
هذه
لك تحيتى وتقديرى

sal said...

البنفسج الحزين

ما اضيق العيش لولا فسحة الامل

هذا ما يحضرنى الان
الليلة شفت د احمد زويل ولقاءه مع قناة دريم كان حوارا ممتعا ومفيدا
واجمل المداخلات برأى كانت من بلال فضل
انا لسة ما خرجتش من الحالة اللى كنت فيها " وانا ارى مثل هذه القامة العلمية وكيف يتم التعامل معها
،،،،
برضو لازم نحلم ببكره يكون احسن
تحياتى

tarek momen said...

مقال جيد
تحياتي

sal said...

طارق
اشكرك لك مرورك الكريم

ماجد العياطي said...

ما اجمل الكلام

والله الاصلاح ليس بالامر الصعب

ولكن اكثر الناس لا يعلمون

والمشكله ان الحكومات تتحجج بالتكاثر

التكاثر ليس حجه بل ميزه

والناس ليست بهذا الغباء الذي تتعامل على اساسه الحكومه معهم

ومبادئ الاصلاح ليست صعبه

والناس على استعداد

فلما الابطاء

ولما الحيرة ولما الاقوال

ولكن هناك من يريدها هكذا


وتعليق بسيط يااخي على اسم المدونه

لا اكراه

مدونتك اسمها اجمل من مدونتي

ارجو يااخي الا تحرمني من ملاحظاتك البناءه

وفقكم الله

sal said...

ماجد
اشكر لك مرورك وتشريفى بالزيارة
الارادة يا سيدى هى جوهر الفعل الانسانى
ويبو انهم لا يريدون الاصلاح
وليس امامنا من سبيل الا الكلمة
ربما يبارك فيها الله وتؤتى اكلها ولو
بعد حين...اما اسم مدونتى فانا ارتأيت انه المرادف الحقيقى للحرية فى سفر
الانسان المؤمن
وانها هى الامانة التى حملها الانسان
احييك واتمنى لك التوفيق