Monday, May 24, 2010

اللاجدوى...؟؟؟






















تزداد يوماً بعد يوم حالة اليأس والاغتراب السياسي والثقافي في مجتمعاتنا، وتطال الأفراد والنخب ومؤسسات المجتمع المدني على حد سواء في أجواء من الاختناق المعنوي وازدياد الشعور باللاجدوى وتعمق الإحساس بفقدان القدرة على المجابهة،
ولن نأتي بجديد اذا قلنا بان اللحظة التاريخية السائدة اليوم التي تحياها مجتمعاتنا تعد من أقسى لحظات الاغتراب وفقدان القدرة على المجابهة والتغيير منذ عقود عديدة

ومن الملفت للنظر أن حالة الإغتراب السياسي والثقافي تنتشر كسرطان خبيث في المجتمع وتزدهر بحيث يشعر الفرد بحالة من المتاهة ما بين التقليد والتجديد، ويدخل في دائرة مغلقة حول هذه القضية
ومن هو الأحق بالإتباع، التراث، أم مجتمع الغرب الحديث ؟

الاغتراب السياسي والثقافي وازدياد الشعور باللاجدوى، ينتشر ويزدهر حينما يشعر الفرد والمجتمع ان الموارد التي أوجدتها الطبيعة وربما الأجيال السابقة وحافظت عليها تهدر وتستنزف وتتحول الى نقمة، هنا يشعر الفرد بأنه لا يحرم فقط من حقه في هذه الموارد، بل ويمارس الخيانة بحق الأجيال القادمة

والاغتراب السياسي والثقافي يلتقي على لغة الإخضاع بدل الاقناع، وتزييف الكلام عن الحريات والحقوق، وفي الواقع ينتج المجتمع سلطاته ورموزه التي تحول الأفراد الى أشياء بخيسة وفي لحظة التأزم يرتدي المجتمع بأكمله أقنعة زائفة بحثاً عن هوية بديلة ومآل آخر
يبدأ الاغتراب السياسي وينتعش، حينما يتسلسل الشعور في البداية بطيئاً بافتقاد الفرد حقه في الوطن ، ثم يزدهر حينما يتصرف المسؤولون ورموز السلطات وكأن البلاد والأوطان امتداد لذواتهم، ثم يقود هذا الاغتراب الى الانسحاب التدريجي الذي يأخذ عدة اشكال أهمها اللامبالاة إلى رفض المشاركة والانكفاء على الذات، ، واخيراً انتحار الوطن داخل الذات

يتجذر الاغتراب السياسي والثقافي حينما نبقى نجرب ونبدل ونطرق كافة السبل ونوافذنا مغلقة على العالم ويتحول التجريب والتبديل الى نوع من الشقاء الإنساني، ونجرب في التنمية والتغيير والتحديث والحداثة والإصلاح والأحياء وندور في كل "المدارات الحزينة" في التاريخ ونكتشف اننا لم نبدأ بعد
حينما يتحول الفرد الى ذات بلا مواطنة وربما الى شيء نكرة، يجد هذا الفرد نفسه منقاداً ومرغماً على ان يلجأ الى البنى الاجتماعية الأولية؛ العائلية، القبلية، الطائفية، الجهويـة، بحثاً عن بعض الأمان ومحاولة لملمة حطام الذات حيث تتحول القيم الكبرى ... قيم الحرية والمساواة والحقوق الى إقفال تحرس المدن، وتتحول قيم الكفاءة والجدارة الى جسور من خشب وفلين ، لا يستطيع الركوب فوقها إلا أصحاب الأوزان الخفيفة من المنافقين سدنة السلطان
ان أسرار حالة الاغتراب والرغبة المكبوتة بالانسحاب التي تجتاح مجتمعاتنا تتغـذى من حالة الاختراق الأجنبي والخضوع المباشر للهيمنة السائدة في العلاقات الدولية وحالة الانكشاف التي تكرست بشكل كبير، إلا ان مصادرها الحقيقية تكمن في علاقات الداخل بالداخل قبل علاقات الداخل بالخارج، فالعنف الذي يصدر اليوم للخارج هو أحد أشكال التفريغ للعنف الذي يمارس منذ أجيال في الداخل في العلاقات المستبدة الظالمة والمستندة الى عدم الرغبة في الدخول نحو معترك التغيير الحقيقي،،، فهي نتيجة شبه منطقية لما لاقته هذه المجتمعات من إهمال وإحباط وقسوة وفشل، ومن المعروف انه كلما اتسعت فرص المشاركة السياسية والمجتمعية بشكل عام ساعد ذلك على الاستقرار وترسيخ شعور الأفراد بذواتهم وترسيخ مفهوم الوطن، وكلما ضاقت تلك الفرص يتعاظم الشعور بالاغتراب والتناقض والابتعاد بين الفرد وبين مؤسسات النظام وتعبيراته ورموزه، ويبدو ذلك في انعدام القدرة السياسية, أي شعور الفرد بعدم القدرة في التأثير على سلوك مؤسسات النظام أي انعدام المعنى السياسي

ان تجاوز حالة الاغتراب السياسي والثقافي تعني وضع حد لحالة العجز وبناء القدرة على تجاوز الأوضاع الراهنة، لكن القدرة وحدها في حالتنا السائدة لا تكفي إذا لم تقترن بالرغبة في التغيير وإحداث قطيعة مع الواقع الراهن ومحاولة تجاوزه...، ولعل ردم الفجوة النفسية التي يحياها انساننا في هذه المرحلة أول ما تتطلب ان يعي حجم الحالة وأسبابها ومصادرها، وان يحقق انجازات على الأرض تعوضه عن عقدة الذنب الذي لم يقترفه
ان توسيع المشاركة بكافة أبعادها السياسية والمجتمعية هو أحد الفرص غير المكلفة لردم تلك الفجوة النفسية وهي طريق سالك لعودة المجتمعات الى أوطانها

ولكن الشعب عاجز في علاقاته بالدولة والأحزاب والمؤسسات العائلية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهي تسيطر على حياته ولا يسيطر هو عليها، ويعمل في خدمتها ولحسابها أكثر مما تعمل في خدمته ولمصلحته، حتى يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى التكيّف مع واقعه بدلاً من الانشغال بقضايا الإصلاح التجاوزي، وإلى الامتثال للسلطات المهيمنة على حياته بدلاً من اتخاذ المبادرات الجريئة

وهذه الملاحظة تظهر واضحة في الدوائر والمؤسسات الرسمية بشكل عام، فالمبادرة الفردية والاجتهاد الفردي من قبل العمال والموظفين تكاد تكون غير موجودة
فالموظف إذا حاول أن يجتهد يقابل صدمات وصدود من قبل مديريه ورؤسائه الذين ينظرون إليه نظرة دونية
فالإنسان محاصر ودائرة الحصار تضيق باستمرار، فيضطر بفعل اليأس للانشغال بتدبير شؤونه الخاصة، وتحسين أوضاعه المعيشية المادية على حساب كرامته وإنسانيته وطاقاته الإبداعية،

لقد سلبته هذه المؤسسات حقوقه وحرياته في السيطرة على إنتاجه في مختلف الحقول



@@@


هذا باختصار ما يتناوله الدكتور حليم بركات في كتابه
"الاغتراب في الثقافة العربية ـ متاهات الإنسان بين العلم والواقع"

17 comments:

Tears said...

واضح انه كتاب قيم

شكرا لك على عرضه و لفت نظرنا له

أعتقد ان الشعوب العربية أصيبت باليأس بسبب ضعفها و لكن تلك الشعوب هى ايضا التى سمحت بوجود هذا الضعف و الاستسلام

Haytham Alsayes said...

شكله كدة كتاب حلو ولازم نقرأه باذن الله
ومعنديش تعليق مناسب
الحقيقة غير بجد انا مرعوب من الايام الجاية
ربنا يستر

علي فكرة انا كتبت النهاردة في ايقاظ العيون عن افكار جمال حمدان
ارجو ان تتابعني هناك فرأيك يهمني بشدة
http://eqaaz.blogspot.com/
تحياتي ياصديقي

Anonymous said...

هو حضرتك لخصت الكتاب في المقال ده ؟؟

لو كده يبقى ماشاء الله مجهود رائع بجد

التفسير العملي للمقاله دي هو المشاركه الضعيفه في الانتخابات مثلا... والسلبيه في المشاركه السياسيه

لكن لو استطاع المثقفون والنخبه ربط المشكلات الحياتيه للانسان بنظرياتهم وعملهم ... وافهام المواطن مدى اهميه مشاركته الفعليه لتحسن الوضع كثيرا

قليل من المشاركه ... كثير من النزول للشارع وافهام الناس سيصلح الكثير

مقال جميل

تحياتي

أنا - الريس said...

" يبدأ الاغتراب السياسي وينتعش، حينما يتسلسل الشعور في البداية بطيئاً بافتقاد الفرد حقه في الوطن ، ثم يزدهر حينما يتصرف المسؤولون ورموز السلطات وكأن البلاد والأوطان امتداد لذواتهم، ثم يقود هذا الاغتراب الى الانسحاب التدريجي الذي يأخذ عدة اشكال أهمها اللامبالاة إلى رفض المشاركة والانكفاء على الذات، ، واخيراً انتحار الوطن داخل الذات "

دي احلا فقره انا قريتها في البوست كله ..

بجد

تسلم الانامل .. لان البوست بيشرح سبب اللي احنا فيه وازاي نطلع بمعرفة السبب في حين أن أغلب المقالات تذكر المرض ولا تذكر السبب ..

بجد تسلم علي المجهود الرائع لكي تنير اعيننا علي الحقيقة واضحة

أنا - الريس said...
This comment has been removed by the author.
خواطر شابة said...

"ان تجاوز حالة الاغتراب السياسي والثقافي تعني وضع حد لحالة العجز وبناء القدرة على تجاوز الأوضاع الراهنة، لكن القدرة وحدها في حالتنا السائدة لا تكفي إذا لم تقترن بالرغبة في التغيير وإحداث قطيعة مع الواقع الراهن ومحاولة تجاوزه"
هاهو الداء وهاهو الدواء لو كنا نسمع او نعقل
تحياتي

ماجد العياطي said...

اخي الحبيب سال

لقد طرحت المشكله بشكل جميل جدا

ولكن من اين نبدأ الحل

هناك كثيرون من يقولون نبدأ بكذا

وبكذا وبكذا

ولاشك ان تحسين التعليم من اوائل الاشياء التي لابد ان نبدأ بها

ولكن من وجهة نظرك من اين نبدأ
اكمالا لما قد كتبته انت حتى ارى رؤيتك للموضوع بشكل كامل

الموضوع شيق اخي الحبيب

وفقك الله

sal said...

تييرز

رغم كل البؤس ورغم كل الاحباطات
ورغم مناخات القهر السائدة
ورغم السلبية المتوطنة ....رغم كل ذلك
لا زال يحدونى الامل
****************
ملاحظة
انا مبسوط جدا من اخر تدوينتين عندك
رغم انك متسجلة عندى غياب فى تدوينتى السابقة
لك تحياتى وتقديرى

sal said...

الصديق هيثم

مفيش رعب يا هيثم ولا حاجة
القادم افضل
ماتكبرش الموضوع فى دماغك المتكلف

رؤى مختلفة قد تصدق وقد لا....لا تتريب عليك ...زى ما غيرنا شغال برضو عندنا ناس بتشتغل
لا تقلق ولا تحزن
ساتابع خطواتك هناك
اتمنى لك التوفيق

دام ودك

sal said...

فتاة الصعيد

والله يا دكتورة انت اللى هايلة
بالمختصر المفيد احييك

دام حسن تواصلك

تحياتى

sal said...

سيادة الريس

انا كل يوم تزداد قناعتى
بانك ريس بق وحقيق

وفعلا مبايعتى لسيادتك فى مكانها
ما لفت نظرك واعدت ادراجه هو جوهر التدوينه وهى فعلا احلى كوبليه
ههههه

شارم عايز يترشح رئيس
قولتله انا رئيسى معروف
"سيادتك طبعا"
زعل منى ورد عليا رد مش ولابد
عايز حقى


تقبل تحيتى وتقديرى

sal said...

خواطر

منورانى ديما ياخواطر
...
اعجبتنى تدوينتك الاخيرة

دام حسن تواصلك

sal said...

الصديق ماجد

سؤالك يا صديقى سؤال صعب
ويمكن ياخد مساحة كبيرة
انا باحاول
وكل ما ترآى لى فى الافق شئ
ساقوم بتدوينه او نقله
انا حاسس اننى ادفع "بضم الالف"على
توضيحات كثيرة ربما تتعلق بما انتويه من التدوين اصلا
وما هى توجهاتى الفكرية
وربما عن تجربتى الحياتية
لعلها تحوى بعض الفائدة


شكرا ماجد على التواصل
تحياتى

Tears said...

Sal

شكرا لك كثيرا

معلش الغياب سببه انى كنت أمر باسبوع مضغوط بالعمل و أشياء أخرى فلم أكن استخدم النت خاصة ان الكمبيوتر كان بيتصلح


تحياتي

فضفضه said...

السلام عليكم
والله موضوع رائع كل مره بيكون موضوع احلا من ال قبله تسلم ايدك وفكرك وعقلك

الكتاب رائع وانت اروع انك لخصت مافيه وجعلتنا نستفيد


لقد سلبته هذه المؤسسات حقوقه وحرياته في السيطرة على إنتاجه في مختلف الحقول

طبعا انت عارف تعليقى انا هسكت خالص مش هتكلم
تحية وتقدير لك
sal

sal said...

تييرز

شكرا لحسن تواصلك
تحياتى

sal said...

فضفضة
شكرا لكلماتك الطيبة
يارب اكون عند حسن الظن بى
****
المرة دى انت هايلة ماقولتيش الكلمتين اياهم بتوع اليأس
الامل موجود دائما
هههههه

تحياتى وتقديرى