Sunday, February 7, 2010

الكواكبى

إلى روح الشيخ الذي نذر حياته لمكافحة الاستبداد
ودفع حياته ثمنا من اجل حرية الشعوب

إلى الشيخ/ عبد الرحمن الكواكبي



لقد مرت مائة عام منذ أن اغتالتك يد الاستبداد وما زالت الشعوب مرهونة بأيدي المستبدين...

وما زال الوطن والعلم والدين رهن الاعتقال
..!!

قبس من نورك في هذه الكلمات

********************
******************
الاستبداد لغة: هو غرور المرء بنفسه والأنفة عن قبول النصيحة والاستقلال بالرأي ومحاولة إلغاء الآخر
الاستبداد الفكري هو آفة أي نقاش والسوسة التي تنخر في عضد أي حضارة, فالبشرية في تاريخها لم تعرف داء أضر على هويتها وكينونتها من الاستبداد والأمر أخص عندما يتعلق بالاستبداد الفكري كونه لا يستهدف الإنسان في ماله أو قوته بل يستهدفه في عقله وتفكيره فيعمل على جعل جمجمته حجرة مستأجرة لمسلمات ومقدسات تؤخذ كما هي في غير ما نقد أو نقاش وما هي إلا شعوذات من جهل وأساطير ما أنزل الله بها من سلطان.
يتخذ الاستبداد الفكري شكل فتوى في المجتمعات الدينية مهمتها نسف الآخر وإلغاؤه باسم الدين حتى لا يبقى له مصدق في مجتمع ملتزم يقدس الفتوى فلا ينقدها ويأله الشيخ فلا يجرؤ على نقاشه. يتخذ الاستبداد الفكري شكل مقص رقيب يسلط على رقاب العلماء وأقلام المفكرين كي ينصرف مفكري الأمة ومثقفيها إلى خلق النصوص في ذكر قداسة جلالة السلطان فضلا عن أي إنتاج آخر حتى تصبح الأمة مجرد شخص واحد فهي على كف عفريت إن شاء حملها وإن شاء خفضها.

والاستبداد الفكري عندما يقترن بسلطة نافذة تشجعه أو يصدر عن شخصية لها في نفوس تابعيها قداسة أو يقدم باسم الدين مزكى بالآيات ومذيلا بأقوال العلماء فإنه يتحول إلى تكميم لأفواه المفكرين وتكفير لأشخاص الناقدين ووقودا لحروب ونزاعات لمجرد أن فكرة قوبلت بنقد. وفي هذه الأوضاع يتحول الاستبداد الفكري من ظاهرة تعترض سياق حراك ثقافي أو تحول من مرحلة إلى مرحلة في طور بناء حضارة معينة كالذي يحصل حين ميلاد الرسالات السماوية و التبشير بدعوة جديدة والتسويق لقومية معينة....إلخ. إلى دستور يهيمن على تعليم وتفكير أمة بأكملها ولك أن تنظر إلى إنتاج أمة على رأسها سلطة يهتز كيانها لصدور كتاب, يتهدد أمنها القومي من أطروحة فيلسوف أو من قراءة عالم أو رأي ناقد وحينها فإن هذه السلطة كما وصفها الكواكبي هي وصي خائن على مال يتيم, يخاف أن يبلغ سن الرشد فتذهب ثروته. وكذا هي السلطة المستبدة على عقول مفكريها قوتها في عدد الجاهلين, ودوامها مرهون بذهاب المدارس ودور العلم ذهابا قد لا يكون حسيا ولكن معنويا بتسلطها على الأفهام وتخريجها لأجيال من المتميزين في نسخ الكتب حفظا ورصفها في رفوف الذاكرة وحرام عليها أن تلج إلى معامل النقد

كيف ينشأ الاستبداد الفكري؟
يبرهن لنا التاريخ على أن الاستبداد الفكري هو المتلازمة المرتبطة بأي حراك فكري جديد ولكن في الاتجاه المعاكس تخف حدته أو تشتد بحس قوة العوامل المقترنة به والآنفة الذكر. ومن هنا فإن الاستبداد الفكري قد يتخذ السلطة السياسية داعما له أو المرجعية الدينية ممرا له أو الشعب مشجعا له.. فكيف يحدث كل هذا؟
ينشأ الاستبداد الفكري في ظل سلطة جاهلة مستبدة سر ديمومتها وكيانها في ضعف تعليمها وسذاجة نقاشات واهتمامات أجيالها ولذا فإن الديكتاتورية ترتبط أول ما ترتبط بتكميم أفواه مفكريها وكثرتهم في المنافي والمعتقلات والمقابر الجماعية بالطبع

تستند هذه السلطة ــ من أجل تسلطها على فكر مثقفيها ــ على الدين في المجتمعات المتدنية 100% كما في كتب الجغرافيا فينصرف المتمجدون من رجال الدين إلى تقديس السلطة ومباركة الأحذية الغليظة التي تدوس على الصفحات والمناشير المستطيلة التي تحوم حول الرقاب والمقصات الحادة التي تتخصص في تكميم الأفواه.
ويستطرد الكواكبي في معرض حديثه عن الاستبداد قائلا: ( ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن المسؤولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا, وأوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا , وعدوا كل معارضة لهم بغيا يبيح دماء المعارضين) والدور البديهي لفقهاء الاستبداد هو أنهم ارتضوا أن يجعلوا من الدين غطاء ساترا يبرر أفعال المتسلطين
تستند هذه السلطة على جهل من هم دونها وعلى نظام تعليمي يصبغ العقول بالبلادة ويقاوم التفكير ويجعل من طلبة المدارس والجامعات آلات ناسخة دون تفكير أو تدبر والملاحظ أن مؤشر الاستبداد الفكري وانحطاط التعليم بينهما أقوى العلاقات فهما الساريتان اللتان تحملان سقف الاستبداد ككل وجوانب الديكتاتورية. وبالتالي تجد في النظم التعليمية منهج التلقين والحفظ واجترار المعلومات بينما لا تجد أي أثر مما يساعد على استدعاء العقلية النقدية مما يفتح إدراك المرء ليحلل الأحداث من حولها ويربط بين نظريات التعليم وأحوال الواقع وحينئذ تتولد في ذاته ثورة على الجهل والاستبداد لتقتلع أوتاد هذه السلطات لأنه وفقط اعمل عقله بتحليل الواقع وكشف اختلاله، فليس هناك من يملي عليه العلم نصوصا لا يفهم ما المراد منها وليس هناك من يحلل له الواقع مباركا الفساد ومقدسا له الأصنام. إن رأيت إلى جوانب ضعف المناهج في الحكومات المستبدة فهي غالبا كتب الدين والتاريخ فالدين الذي يقدم للطلبة معلومات جاهزة يحرم نقاشها والتفكر في معناها هو قتل لنصوص الدين وإغلاق لمقاصدها فالدين كما يدرس هو نصوص توقيفية لا نملك حق نقاشها والتفكر في عظمتها فإن سألت عن القرآن فلا يذكر شيء غير فضل حفظه وإن بحثت عن تعليم لإستراتجية قراءة النص واستخلاص المعنى منه والحكم الفقهي والثابت العقدي لوجدت معلمي هذه المواد هم أجهل الناس بها وكيف لأمة أن تفهم دينها فهما صحيحا وهناك من يضعها لها في قوالب جاهزة ( تفسير وتوحيد وفقه وحديث) ولك أن تسأل عن التكامل والترابط بين هذه القوالب

لك أن تعجب من امة كافرة لا تقيم للدين وزنا ولا لله إيمانا وهي مع ذلك أمة ناجحة وثرية في إنتاجها ونافذة في سياستها والجواب هو أن لهذا الكون سننا أجراها الله فيه فالنتيجة لها ثمة سبب هو أنهم يتفكرون ويعقلون ويفقهون!! لا ترفع فوق هاماتهم للاستبداد خطوة لأنهم أمة تتكامل في أداء أدوارها نحو قيمها ومبادئها ومن زرع حصد ولو كانت شجرة سقوم.
هؤلاء الذين هم في نظرنا عجلت لهم خيراتهم في الدنيا هم يفكرون كما فكر الجيل الأول من حملة هذا الدين حين اضطلعوا بمهمة نشره فتكاملت أدوارهم وواجباتهم تجاه قضيتهم فليس أبو بكر هو المسئول عن هداية أهل الردة بل إن هناك خالدا وسعدا وزيدا وكل قائم على ثغر من ثغور الدين خير قيام . مرده إلى مدرسة تربوا فيها جعلت من نصوص الدين سلوكا وليس مجرد مجلدات ترصف على رفوف الذاكرة. ونحن اليوم بفضل الخضوع للاستبداد الفكري أمة معطلة الأدوار يجهل كل فرد فيها مهمته وقضيته وكل يكلها إلى الآخر

الاستبداد الفكري ينشأ حين يتحول العمل الثقافي إلى مشروع رياء كبير يرفض أن تكون الثقافة معبرة عن واقع مجتمعها وصورته الحقيقية وإنما تظل دائرة في فلك المثاليات والمفترضات فتكون السلطة هنا منافقة حاذقة تعمل على تنقية الأفكار فتختار منها ما وافق الصورة الأفلاطونية المتوهمة وتغتال أي محاولة لنقاش واقع المجتمع وأمراضه لأنها بنظرهم تهديد لقيم المجتمع وثوابت الدين وتتحول معها الثقافة إلى طلاسم و شعوذات يرفض أن يتعاطاها عاقل لأنها لا تعبر عنه. حين يبرز من بيننا أشخاص يحملون فكرا لم يأتوا به من السماء بل هو ثمرة ثقافتنا التي لا بد أن نؤمن بواقعيتها وليس بمثاليتها فتسلط عليهم مناشير السلطة وفتاوى المرجعيات الدينية وهتافات الشعوب منددة بخروجهم عما نتوهم من مثالية وأفلاطونية ونرفض أن نناقش من طرحهم ولو فكرة في منهج عقلاني سديد. من الطبيعي أن نرفض في هذه الحالة أن نتعامل مع هذا الثقافة الانتقائية لأننا نعيش الوجع ولن نصدق ألف طبيب بقسم لنا بأنا أصحاء

ينشأ الاستبداد الفكري حين تتغلغل الخرافة والأسطورة في جسد مجتمع ما وتصبح عقيدة متمكنة من نفوس تابعيها وأي محاولة لنقدها أو المساس بها كفيلة بإقامة مجزرة والفتك بشعب كامل وهذا الاستبداد هو الأغلظ حذاء والأعلى كعبا فكيف لناقد أن يواجه مجتمعا كاملا بحقيقة تعارض مبدأه الأساسي الذي يقوم عليه معتقده وفكره.
إن هذه المواجهة هي أقسى ما يمكن أن يعترض طريق الإصلاح من حواجز ولذا فهي المهمة التي اضطلع بها أنبياء الله في هداية البشرية حين يستبد بها الجهل وتتكاثر في أوساط معتقداتها الخرافة والأساطير وحيث أن الجهود الفردية في مواجهة هذه المجتمعات هي أقرب للانتحار منه إلى التغيير فإن تجارب قليلة في مسيرة البشرية هي التي نجحت في كسر مناشير الاستبداد.
منقول بتصرف

11 comments:

ماجد العياطي said...

السلام عليكم

الموضوع في غاية الروعه

دعني اقول

ان الاستبداد هو نتاج ضعف هذه الامه

فاستخف قومه فاطاعوه

صدق الله العظيم

هنا يضرب الله مثلا بقوم فرعون الذين اتخذوا من السلبية شعار لهم وهذه هي النتيجة

فمن ضمن اسباب الاستبداد هو الشعب نفسه...الذي ترك نفسه عرضة ولم يثورولم يتكلم

السبب الثاني

هو اضاعة العلم وليس الدين فقط ولكن علوم الدنياايضا

فالسلبيه والجهل هما اعداء هذه الاوطان

وهما التغريبه التي تكتب على شعب في بلده اذا كان غارقا في اوحالهما

الموضوع شيق وجميل

خواطر شابة said...

في كل مرة ادخل مدونتك استفيد شئ جديد وأغذي عقلي فشكرا لك

Tears said...

متفقة مع طرحك الثرى و لكن كنت أتمنى ان تعطينا معلومات أكثر عن الشيخ فانا لم اسمع عنه من قبل

دمت بخير

sal said...

الصديق ماجد
"""
فاستخف قومه فاطاعوه

دا عنوان هام ومعبر ومفسر لواقعنا
قرأت يوما
ان الاستبداد اما "علوى" اى من المستبد
أو "سفلى" اى من الناس وهو ما يمكن ان نعبر عنه ب
القابلية للاستبداد

احييك اخى الكريم
تقبل تقديرى

sal said...

المحترمة خواطر شابة
اشكرك على كلماتك المشجعة
وأأمل ان اكون عند حسن الظن
لك تقديرى

sal said...

المحترمة تييرز
اشكر لك حسن تواصلك
بداية
اما عن الكواكبى
فهو احد ركائز النهضة فى اواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين
واهم كتاب له
" طبائع الاستبداد
""""""""""""""""""""""
طبعة جديدة من "طبائع الاستبداد.." للكواكبي

عبدالرحمن الكواكبي
صدر مؤخراً في طبعة جديدة عن دار الشروق بالقاهرة في 142 صفحة من القطع المتوسط، كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" لمؤلفه عبد الرحمن الكواكبي (1948 - 1902)، وقدمه للقراء الدكتور محمد عمارة.

يعد الكتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" أحد أهم الكتب التي تناولت مسألة الاستبداد في عالمنا العربي، إن لم يكن أهمها علي الإطلاق، نظراً لمجيئه في فترة مبكرة من التاريخ العربي الحديث.

والكواكبي وفقاً لجريدة "الراية" القطرية مفكر ومصلح ولد في حلب، بدأ حياته بالعمل في الصحافة داعياً للإصلاح والقومية العربية، فتعرض لكثير من المتاعب من قِبَل الدولة العثمانية، فسجن عدة مرات، وعاش شريداً يطوف العالم العربي داعياً إلي الحرية السياسية، والعدالة الاجتماعية، وتجديد الدين.

ومن أقوال الكواكبي المأثورة في هذا الكتاب: "لقد تمحص عندي أن أصل الداء هو: الاستبداد السياسي، ودواؤه هو: الشوري الدستورية"، و"من أقبح أنواع الاستبداد: استبداد الجهل علي العلم.. واستبداد النفس علي العقل" و"خلق الله الإنسان حرّا، قائده العقل.. فكفر.. وأبي إلا أن يكون عبداً، قائده الجهل"، و"إن المستبد فرد عاجز، لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه، أعداء العدل وأنصار الجور"، و"تراكم الثروات المفرطة، مولد للاستبداد، ومضر بأخلاق الأفراد"، و"الاستبداد أصل لكل فساد"، و"أما تعريف الاستبداد بالوصف لا بالمترادفات و المتقابلات فهو أن الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين".

ويقول الكواكبي في فصل ما هو الاستبداد معرفاً: "لغة هو غرور المرء برأيه والأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال في الرأي و الحقوق المشتركة، وفي اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة"، ويضيف: "المستبد عدو الحق, عدو الحرية و قاتلها, و الحق أبو البشر و الحرية أمهم, والعوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئاً, والعلماء هم أخوتهم الراشدون, إن أيقظوهم هبوا وإن دعوهم لبوا و إلا فيتصل نومهم بالموت".

لك تحياتى وتقديرى

بحر الالوان said...

حقا ان الكواكبي سيظل افضل من تناول قضية الاستبداد وطبائع المستبدين .

بوست رائع ....... وبانتظار المزيد

تحياتي الصادقة

sal said...

تييرز

خدى فكرة

http://www.rclub.ws/?p=618

تحياتى

sal said...

صديقى بحر عامل ايه انت رجعت من الاجازة ،،،،حمدالله ع السلامة ،،فاصل ونواصل التواصل

شكرا على مرورك الكريم

Anonymous said...

موضوع جميل

لكن واضح أن الأستبداد مرض متوطن منذ الازل في مصر

تحياتي

sal said...

فتاة الصعيد
شكرا على مروركم الكريم
وعلى فكرة مرض او آفة الاستبداد
متوطنة فى كل بلاد العرب
منذ قرون والكواكبى الله يرحمه
واحد من الناس اللى نبه وقال عليه وحاول بس للاسف لا زال حالنا كما هو
أأمل ان يتم تجاوز هذا الحال

تحياتى