Saturday, December 26, 2009

بيدبــــــــا








بيدبــــا

لأن الحيوان البهيمية قد خصت في طبائعها بمعرفة ما تكتسب به النفع وتتوقى المكروه: وذلك لأننا لم نرها تورد أنفسها مورداً فيه هلكتها. وأنها متى أشرفت على مورد مهلك لها، مالت بطبائعها التي ركبت فيها - شحاً بأنفسها وصيانةً لها - إلى النفور والتباعد عنه ....

وقد جمعتكم لهذا الأمر: لأنكم أسرتي ومكان سري وموضع معرفتي؛ وبكم أعتضد، وعليكم أعتمد. فإن الوحيد في نفسه والمنفرد برأيه حيث كان فهو ضائع ولا ناصر له.

على أن العاقل قد يبلغ بحيلته ما لا يبلغ بالخيل والجنود.

والمثل في ذلك أن قنبرةً اتخذت أدخيةً وباضت فيها على طريق الفيل؛ وكان للفيل مشرب يتردد إليه.

فمر ذات يوم على عادته ليرد مورده فوطئ عش القنبرة؛ وهشم بيضها وقتل فراخها. فلما نظرت ما ساءها، علمت أن الذي نالها من الفيل لا من غيره.

فطارت فوقعت على رأسه باكيةً؛ ثم قالت: أيها الملك لم هشمت بيضي وقتلت فراخي، وأنا في جوارك? أفعلت هذا استصغاراً منك لأمري واحتقاراً لشأني.

قال: هو الذي حملني على ذلك.

فتركته وانصرفت إلى جماعة الطير؛ فشكت إليها ما نالها من الفيل. فقلن لها وما عسى أن نبلغ منه ونحن الطيور?

فقالت للعقاعق والغربان: أحب منكن أن تصرن معي إليه فتفقأن عينيه؛ فإني أحتال له بعد ذلك حيلةً أخرى. فأجبنها إلى ذلك، وذهبن إلى الفيل، ولم يزلن

ينقرن عينيه حتى ذهبن بهما. وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ومشربه إلا ما يلقمه من موضعه. فلما علمت ذلك منه، جاءت إلى غدير فيه ضفادع كثير،

فشكت إليها ما نالها من الفيل.
قالت الضفادع: ما حيلتنا نحن في عظم الفيل? وأين نبلغ منه.

قالت: احب منكن أن تصرن معي

إلى وهدةٍ قريبةٍ منه، فتنققن فيها، وتضججن. فإنه إذا سمع أصواتكن لم يشك في الماء فيهوي فيها.

فأجبنها إلى ذلك؛ واجتمعن في الهاوية، فسمع الفيل نقيق الضفادع، وقد اجهده العطش، فأقبل حتى وقع في الوهدة، فارتطم فيها.

وجاءت القنبرة ترفرف على رأسه؛ وقالت: أيها الطاغي المغتر بقوته المحتقر لأمري، كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي عند عظم جثتك وصغر همتك?

""""من كتاب كليلة ودمنه"""

ينبغي لمن قرأ هذا الكتاب أن يعرف الوجوه التي وضعت له؛ وإلى أي غايةٍ جرى مؤلفه فيه عندما نسبه إلى البهائم وأضافه إلى غير مفصحٍ؛

وغير ذلك من الأوضاع التي جعلها أمثالاً: فإن قارئه متى لم يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني، ولا أي ثمرةً يجتني منها،

ولا أي نتيجة تحصل له من مقدمات ما تضمنه هذا الكتاب


تدوينة سابقة

كليلة ودمنة 1

http://la-ekraah.blogspot.com/2008/08/blog-post_24.html

4 comments:

البنفسج الحزين said...

قصه جميله ليتنا نتعلم من عالم الحيوان الذي أحيانا يظن الانسان بغرورة أنها كائنات لا تعي ولا تفهم ولكنها أحيانا تفوقه وعيا وفهما ليتنا لا نستهين بقدراتنا ولا نستضعف أنفسنا فحقا الضعيف هو من لا يجرأ أن يكون قويا...تحياتي

sal said...

ابهجتنى هذه الزيارة الكريمة
المهم ان لا نبكى على اللبن المسكوب دائما ونحاول ان نقوم بأى عمل ايجابى
لك كل التقدير

Anonymous said...

هي عصفوره صعيديه ولا ايه .... اصلها موش نسيت تارها ابداا:)

كليله ودمنه من روائع الادب العربي

تحياتي

sal said...

طبعا صعيدية
ههههههههه
البصمة الصعيدى موجودة حتى عندهم
شوف حكمة ربنا يا مسلم
شكرا لمروركم الكريم