Monday, July 12, 2010

المربـع ؟؟؟











عندما كنا صغار، كنا نرى العالم من منظور إما الخير أو الشر، دون ما بينهما. كان العالم بسيطاً لنا أو : يا أبيض يا أسود! هذا شرير وهذا خير! وكانت التمثليات أو الأفلام الدينية القديمة، تأتي لنا بالأشرار، وقد تضخمت حواجبهم وأسودت وجوههم، حتى أنني أتذكر، تلك الأعمال الدرامية "التاريخية"، التي كانت تأتي بالكافر، وقد ظهر وكأنه الشر كله، ثم تظهر وسامته، عندما يؤمن ليصبح من الأخيار! وهو بالطبع أمر ساذج للغاية، ولكنها كانت طفولة "إعلامية" متوازية مع طفولتنا الذهنية، عكس ما أصبحنا عليه من نضوج عندما كبرنا وقرأنا وعشنا العالم على إختلاف ألوان الطيف الإنساني فيه


وعندما كنت أُدرس لطلابي في الجامعة، وفي إطار رغبتي لنقل النضج الفكري لهم، كنت أرسم "مربع" على السبورة، ثم أضع نقطتين، على ضلعين متقابلين له. كل نقطة، تمثل إنسان، بينما يمثل المربع، بناء أسمنتي كبير! ثم أرسم على ظلع من الضلعين، المتواجهين، "باب" أمام شخص منهما! ثم أسأل: ماذا يرى هذا الشخص؟ فيجيبون: أنه يرى برج أسمنتي به مدخل، يمثله الباب! فأقول لهم: لو أن هذا الشخص الذي أمامه الباب، كلم الشخص الآخر بالهاتف الجوال وقال له، أوصف لي البناء، كما تراه أمامك، فماذا عساه أن يقول؟ فيجيبون: أنه سيقول أنه يرى بناء أسمنتي، لونه كذا ويسكت! فأقول لهم: فكيف سيرد الآخر الذي يواجه الباب: فيقولون: سيقول، ألم تنسى شيئاً؟ هناك أيضاً باب! فأقول لهم: ولكن وقتها سيصر الآخر، أنه لا يوجد باب هناك! وسينطلقون في خلاف، حول ما إذا كان الباب موجوداً أم لا، وكلاهما على صواب! أليس كذلك؟ فيجيبون بنعم!

وتلك هي الإشكالية التي نواجهها في مجتمعنا! كلُ منا، يرى جانب من هذا البناء، أو المربع ولا يراه كله! كلُ يحكم من الجانب الذي يراه! كلُ يرى "الحدوتة"، بشكل مختلف! كلنا على صواب، ولكن كلُ منا يملك جزء من القصة أو جزء من الحقيقة! ولكي، نرى القصة كاملة، ونمتلكها جميعاً معاً، يجب أن يسمع بعضنا بعض، وباحترام الإختلاف، دون عنف لفظي أو صوت عالي! إنما حياتنا مكونة من مُربعات كثيرة، مثل هذا المُربع، الذي يمثل في حد ذاته
موضوع، وتمثل مجموعة المربعات اللانهائية، مواضيع جمة، يهتم بها البشر

كنت قديماً، وعندما أسمع أي شئ، أصدقه، واليوم بت أتحقق مما أسمع، حتى لو كان محدثي، من أفضل من عرفت من الناس عقلاً وخُلقاً ! لما ؟ لأنني أملك عقلاً يستطيع أن يميز، ولأن مُحدثي، برغم كل ما يملك من مميزات، في النهاية، إنسان، يُخطئ ويصيب ! إنه بشر، لديه الضعف الإنساني الأساسي الذي يتواجد في كل البشر! إنه يملك جزء من الرؤية، ويرى جانب من هذا المربع، بينما أرى أنا جانب آخر

لقد كبرنا ونحن حافظون لأمور أساسية، لأنها عُرضت علينا بأسلوب معين، ولو أنها عُرضت علينا بشكل آخر، لإختلفت النظرة.... فمثلاً الأرض، كروية، ونجد أن أوروبا شمالها وأفريقيا جنوبها، في منتصف الكرة الأرضية، ولكن، لو أننا رسمنا خريطة العالم وأمريكا الشمالية والجنوبية في المنتصف، وبقية القارات حولها، لما إختلف الأمر في الكرة الأرضية كحقائق جغرافية الدول، ولكن لإختلفت رؤيتنا نحن للأماكن، وسيكون الشرق غرباً والغرب شرقاً، وفقاً للخريطة المرسومة أمامنا،،،،،،
اؤكد فقط ، على أن للعالم جوانب متعددة، يمكن أن نراه من خلالها، لو أننا إقتنعنا بالرأي والرأي الآخر، وطبيعية الإختلاف، وفقاً لرؤية كلً منا ! فلنؤمن إذاً يثقافة المربع التي سقتها في البداية، ولطلابي القُدامى، الذين أتمنى، أن يكونوا اليوم يعملون في عالمنا، وهم يؤمنون بها، حتى لا يروا العالم مُبسطاً، وكأن من حاجبه سميك، كافر أو شرير، ومن يبتسم مؤمن أو خير، أو بتلك البساطة ينظرون ! بل وحتى لا يروا العالم كله، في ظل مؤمن وكافر، ولكن متعدد الجوانب، ويستقوا الفكر والمعرفة، من كل مكان، بعيداً عن المسلمات الساذجة والطفولة المتجردة من تعدد حقائق الكون وآراءه



شريف حافظ
بتصرف

16 comments:

Tears said...

التنميط فكرة عربية بحته فى الدراما و نظم التعليم و المجتمع لكن فى التعليم الاجنبى دايما بياكدوا على عدم حدوث ده

عارف انا فى بداية التحاقة بالمدرسة كنت فى مدرسة مصرية لغات و بعدها سافرنا بره مصر و دخلت مدرسة بريطانية و كان حاصلى ذهول من كم المطالبة بانى ابحث عن كل معلومة و اقول انا رايى و انا فى رابعه ابتدائى و ما ككانش فيه حاجة اسمها قول راى الكاتب او الشاعر انما كان فيه انقد ما قرأت او قول رأيك و فنده و اثبت ادلتك عليه

اكيد اسلوب التعليم ده بعد سنوات طويلة بيرسخ اشياء مختلفة عن اللى بيرسخها تعليمنا التقليدى

أنا - الريس said...

أولا احييك أولا كالعادة لأن مواضيعك لا تزالا تحرك أم الخلايا الثابته في عقولنا ..
أما مشكلة اللي كل واحد منا يري الحق من جانبه فهذا لعدم وجود أسس تفكير يبني عليها الكلام .. ولأنه أحيانا نتحرك من منطق جدلي بحت فننسي الهدف ..
تذكرت كلمة محترمة للدكتور شريف عرفة أنه لكي نحكم علي الحوار لابد أن نجلس في

3 أماكن

أولا نجلس في مكانا الأصل اللي هو شخصيتنا

ثانيا نجلس في مكان محدثنا حتي نري الفكرة من منظوره لا منظورنا

ثالثا
نجلس خارج الإطار (مثل الكاميرا العنكبوتيه) في الملاعيب حتي نري الحق من الخارج فنستطيع أن نطلق أحكمنا .

بوركت .

-_- said...

كنت قديماً، وعندما أسمع أي شئ، أصدقه، واليوم بت أتحقق مما أسمع، حتى لو كان محدثي، من أفضل من عرفت من الناس عقلاً وخُلقاً ! لما ؟ لأنني أملك عقلاً يستطيع أن يميز، ولأن مُحدثي، برغم كل ما يملك من مميزات، في النهاية، إنسان، يُخطئ ويصيب ! إنه بشر، لديه الضعف الإنساني الأساسي الذي يتواجد في كل البشر! إنه يملك جزء من الرؤية


متى يقتنع الناس بهذا ؟
متى

Tarkieb said...

تعرف قصة العمي اللي كانو بيوصفو الفيل وكل واحد اخد حته وهات ياوصف ومعتقد انه وصف كله...ده اسلوبي دلوقتي لو كل الدنيا قالت حاجة برضه لازم اشوفها انا من منظور مختلف....مين شريف حافظ؟ انت؟ ولا حد غيرك؟؟؟؟؟ تشكر انت وهو ع الكلام الحلو ده

Haytham Alsayes said...

كأنك تأتي بما يدور في ذهني هذه الايام
هذه الايام اقرأ كتاب وعاظ السلاطين لعلي الوردى واراه كتابا جيد في بعض الامور وعرفني بعض الامور التي كنت قد نسيتها في خلال دراستي في الكلية ولكن اتي بها بشكل من وجهة نظره

علي اية حال هذا الكتاب يحوى نفس الفكرة التي بالمقال ان نرى الحقيقة كاملة لا زيادة ولا نقصان حتي لو ارادت انفسنا المجبولةعلي حب الشهوات وان نمرر علي عقلنا كل المعلومات كما كان يفعل ابن خلدون في منطقه ومنظوره للامور

اعتقد ان هذا المقال يريد ان يقول ذلك وانا مؤمن بمقولة اينشتين ان التعلم يبدأمع انتهاء فترة المدرسة واحاول الاستفادة من تلك المقولة واعلم نفسي بنفسي واحاول اقرأ لعل الله يوفقني في عمل شىء

وبعيدا عن المثالية والرومانسية التي افكر بها في بعض الاحيان اعتقد ان ما اقرأه لن يذهب سدى وسأستفاد منه مع مرور الايام

تحياتي ياصديقي العزيز

البنفسج الحزين said...

كل منا يملك جزء من الحقيقه
ولابد أن نتكامل كي تكتمل الحقائق
وهذة سنه الله في خلقه
سبحانه جعل التفاعل والتعاون
بين البشر ضرورة من ضرورات الحياة ليظل كلا منا محتاج للأخر كي يصل لحقيقه الاشياء ...لك عميق تحياتي

sal said...

تييرز
شكرا لانك اشرت الى الوعاء الذى
يولد ويخرج شخصيات بمثل العقلية التى اشرت اليها...عقليةالنظرة الاحادية
ذلك الوعاء...
هو التعليم التلقينى
تحياتى وتقديرى

sal said...

سيادة الريس

شكرا يا ريسنا
على المثال الذى وضعتهوجميلة فكرة د شريف عرفة
يشرفنى يا سيادة الريس
لو ربنا اكرمنى بتحريك جزء صغير جدا
بحجرى الذى القيه فى البحيرة الراكدة

نورت وشرفت يا ريس

sal said...

عاجلا او اجلا يا دكتور شارم
سيصل الناس لتلك القناعة
وما علينا الا التأكيد عليها مرات ومرات

تحياتى وتقديرى

sal said...

المبدع تركيب

حدوثة الفيل فى بالى

والمربع اهو تغيير عن المألوف والمكرر

انا او هو
المهم الفكرة وصلت
احييك على كلامك الحلو يا فنان

تحياتى وتقديرى

sal said...

صديقى هيثم

لن يذهب سدى ابدا كل حرف قرأته
ومؤكد سيفيدك

الوعى والمعرفة مسألة تراكمية
وبكره احلى من النهارده

اتمنى لك التوفيق الدائم
وكلنا بنتعلم وبنحاول

لك تحياتى وتقديرى

sal said...

البنفسج المبهج

كل منا يملك جزء من الحقيقه

دا اللى مفروض يكون فى جوهر قناعاتنا

شكرا على التعليق الطيب

تحياتى وتقديرى

Unknown said...

المقال دة كويس ..
شكراً ليك .. و لشريف حافظ

sal said...

شكر يا شيماء على مرورك الكريم

تحياتى وتقديرى

بحر الالوان said...

يمر الفرد والمجتمعات باكثر من مربع في مراحل نموها وتطورها .... مربعات مضيئة ... مربعات مظلمة ...هذا امر طبيعي .. لكن الامور تسوء كثيرا حينما يستقر المرء في المربع المظلم الي الابد... او ان تعود المجتمعات الي المربع رقم صفر دائما ... هنا تكون المعضلة .


تحياتي

sal said...

المشكلة يا
صديقى العزيز بحر
من هو الحكم الذى يقرر انك فى المربع المظلم الى الابد
فربما كان الحكم فى مربع اظلم منه
ولكنههم يحسبون انهم يحسنون صنعا
اما المجتمعات التى تعود الى المربع صفر...فياليتها تعلم انها هناك
او تعترف بانها هناك فما بعد الصفر الا الواحد الايجابى وما تلاه
.....
مغزى التدوينه يا صديقى
يشير الى اختلاف فهم حقيقة الاشياء لاختلاف مواقع وعقول الناظرين
بس ادى كل الحدوثة


تحياتى وتقديرى