
هل إلى خروج من سبيل؟ |
فى ظل أوضاع مأساوية كالتى حدثتك عنها بالأمس مع أنك تعلمها وغارزٌ فيها حتى والدة رأسك، صدقنى ليس الأمل وهماً على الإطلاق، الأمل هو السبيل الوحيد، ولكن أى أمل؟ فقط الأمل المبنى على المقاومة، على إحساس الإنسان أنه لم يعد لديه ما يخسره، على إدراكه أنه يجب ألا ينتظر الآخرين وأن يبدأ بنفسه، على يقينه بأنه سيدفع ثمن صمته وخنوعه واستسلامه وسكوته على ضياع حقه، سيدفع الثمن على أيدى مخبر باطش أو زميل عمل فقد صبره أو شريك حياة مهزوم أو حتى صحة انهارت بعد أن فقدت قدرتها على مقاومة فساد كل ما تأكله وتشربه وتشمه، والأهم من كل ذلك الأمل المبنى على ذكاء الإنسان وإدراكه لواقعه وعمله على مساحات كثيرة يتيحها الدستور والقانون ويتركها الناس فارغة فقط بسبب خوفهم وعجزهم وانتظارهم أن يحدث التغيير العظيم الذى لا يحدث أبداً، لأن الجميع يكتفى بانتظاره. قبل أن تسألنى كعادتك عن الحل، اسأل نفسك أولا عن المشكلة، ما هى مشكلتنا الحقيقية؟، لو قلت لى إن مشكلتنا فى هذا الشخص أو ذاك فأنت واهم، حتى لو كانت كل مشاكلنا ومصائبنا تتجسد فى أولئك الأشخاص لدرجة تجعلنا نتوهم أنها ستزول بزوالهم، فعلناها قبل ذلك كثيراً، ثم أخذنا جميعا نردد «رب حاكم كنت فيه فلما صرت فى غيره بكيت عليه». مشكلتنا باختصار أن مصر لم تعد للمصريين جميعا، صارت فقط للقادرين والواصلين والمتنفذين والمسنودين والواصلين إلى طرق القادرين والواصلين والمتنفذين والمسنودين، هل لديك سلطة؟، هل لديك مال يوصلك إلى عديمى الضمائر فى السلطة؟، هل لديك ما يجعلك تصبح فى خدمة وحماية من لديهم سلطة أو لديهم مال؟، إذن أنت فى نعيم مقيم، أما إذا لم تكن كذلك فأنت إذن تعانى ما يعانيه الغالبية الساحقة من المصريين من إهدار لحقوقهم وامتهان لكرامتهم فى المستشفيات والمدارس الحكومية وأقسام الشرطة والوظائف الرفيعة التى لم يعد أبناؤهم يحلمون بنيلها لأنها صارت محجوزة سلفاً لذوى الوجاهة واللياقة الاجتماعية الذين كنا نناديهم زمان قبل الثورة بأصحاب الأعيان والأطيان، وها نحن بعد كل هذه الأعوام من الثورة نراهم وقد نالوا حصانات وامتيازات لم يكونوا يحلمون بها، أهمها أنهم صاروا منزهين من المساءلة ومعصومين من المحاسبة، وبحكم القانون الذى قد يسأل أحيانا من أين لك هذا، لكنه لن يسأل أبدا ولماذا لم يحصل ابن الفقير على هذا المنصب وحصل عليه ابن البيه؟. هذه هى المشكلة، وتغييرها لن يأتى على أيدى المُنَظِّرين وإن حسنت نواياهم، سيأتى على أيدى المتضررين وحدهم، هؤلاء الذين أغلقت فى وجوههم أبواب الأمل يجب أن يفتحوها لأنفسهم، يجب أن ينسوا تلك الخرافات والخزعبلات التى توارثوها جيلا بعد جيل بأن مصر ستظل دائماً محروسة بالأولياء الذين سيوصلون إلى كراسى الحكم مستبدين ينشرون العدل بين الناس، وأنهم لن يدفعوا ثمن صمتهم وخنوعهم، وأن حقوقهم جايه لهم لحد عندهم، وأن يدركوا أنه حتى لو كان الله عز وجل قد أكرم مصر بذكرها فى القرآن دونا عن غيرها من الدول فإن ذلك لن يعنى أنه سيغير سُنَنَهُ من أجلها، وسيظل دائماً لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وسيظل ينتظر من العبد أن يسعى لكى يسعى معه، وستظل أبواب خيراته مفتوحة فقط للذين يتفكرون ويتدبرون ويعقلون ويؤمنون الإيمان الذى يدفعهم للعمل والتغيير، وليس للتنبلة والتكفير والتخلف والطرمخة. كل الأشياء فى مصر اليوم تعمل فى خدمة أرباب النفوذ، أنا نفسى، هل أبدو لك شجاعاً لأننى مسنود على نجاحى، متهيأ لك، يمكن ببساطة أن تجدنى مسحولاً فى أى لحظة تحت أقدام من لم يتعلم ربع ما تعلمته ولم يجتهد مثل ما اجتهدت ولم يعمل كما عملت، بقائى ناجحاً ومتحققاً يعتمد فقط على ظروفى وليس على حقوقى، وأنت مثلى مهما كانت درجتك العلمية أو نجاحك المهنى أو ما حققته من كسب مادى، إذا لم يكن لديك نفوذ فلا حصانة لكرامتك ولا لحريتك، ولا أمل لى ولا لك ولا لأحد من السكان الأصليين لهذه البلاد إلا بأن نتكاتف سوياً لكى نعيش فى دولة يسودها العدل وتكافؤ الفرص، يتساوى فيها ابن البواب مع ابن الوزير وبنت الشغالة مع بنت الهانم فى الحقوق والواجبات التى تمنحها الدولة، مثلما يحدث فى أى دولة متقدمة لم يتحقق التقدم فيها بالأحلام ولم يهبط عليهم العدل من السماء، بل صنعوه بأيديهم ودفعوا ثمنه فحق لهم أن يهنأوا به الآن. ونحن أيضاً يجب أن نصنع ذلك بأيدينا، بالالتفاف حول الدكتور البرادعى ومن شابهه من المخلصين المستنيرين «النُضاف»، بتقوية الأحزاب السياسية الشرعية التى يقودها المحترمون أو بالاشتراك فى مؤسسات العمل الأهلى التى تنشر التنمية وليس الشحاتة، بالقراءة والوعى والشعر والمعرفة والفن والغناء والشقاء على أكل العيش والكوميديا وقصص الحب الطموحة والدراما والصياعة المنضبطة وتحويل الدين إلى روح وسلوك وأخلاق، وقبل ذلك وبعده بالبعد عن كلمة ياريت التى للأسف لم نصدق أجدادنا عندما قالوا لنا إن كلمة ياريت عُمرها ما عَمّرت بيت. بلال فضل اصدقائى ..انا فى اجازة صيفية عجبتنى المقالة ...حبيت تقرؤها |